أصبنا من قبلهم وأهلكنا الوارثين منهم كما أهلكنا المورثين وإنما عدى فعل الهداية باللام لأنه بمعنى التبيين كما مرّ.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بإبدال الهمزة الثانية واوا في الوصل والباقون بتحقيقهما وقوله تعالى : (وَنَطْبَعُ) أي : نختم (عَلى قُلُوبِهِمْ) معطوف على ما دلّ عليه (أَوَلَمْ يَهْدِ) كأنه قيل : يغفلون عن الهداية ونطبع على قلوبهم أو على يرثون الأرض أو يكون منقطعا بمعنى : ونحن نطبع على قلوبهم (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) موعظة أي : لا يقبلونها ومنه سمع الله لمن حمده قال الشاعر (١) :
دعوت الله حتى خفت أن لا |
|
يكون الله يسمع ما أقول |
أي : يقبله ويستجيبه.
(تِلْكَ الْقُرى) أي : القرى التي ذكرنا لك يا محمد أمرها وأمر أهلها وهي قرى قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم شعيب (نَقُصُّ عَلَيْكَ) يا محمد (مِنْ أَنْبائِها) أي : نخبرك عنها وعن أهلها وما كان من أمرهم وأمر رسلهم الذين أرسلوا إليهم لتعلم أننا ننصر رسلنا والذين آمنوا معهم على أعدائهم من أهل الكفر والعناد وكيف أهلكناهم بكفرهم ومخالفتهم رسلهم وفي ذلك تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم وتحذير لكفار قريش أن يصيبهم مثل ما أصابهم (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ) أي : أهل تلك القرى (رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي : بالمعجزات الباهرات والبراهين الدالة على صدقهم وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بالإظهار والباقون بالإدغام وأمال حمزة وابن ذكوان الألف وسكن السين أبو عمرو ورفعها الباقون (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) أي : عند مجيئهم بها (بِما كَذَّبُوا) أي : كفروا به (مِنْ قَبْلُ) أي : قبل مجيء الرسل بل استمرّوا على الكفر واللام لتأكيد النفي والدلالة على أنهم ما صلحوا للإيمان لمنافاته لحالتهم في التصميم على الكفر والطبع على قلوبهم (كَذلِكَ) أي : كما طبع الله على قلوب كفار الأمم الخالية وأهلكهم يطبع الله على قلوب الكافرين الذين كتب عليهم أنهم لا يؤمنون من قومك.
(وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ) أي : لأكثر الناس على الإطلاق أو لأكثر الأمم الخالية والقرون الماضية الذين قصصنا خبرهم عليك ، وأكد الاستغراق فقال : (مِنْ عَهْدٍ) أي : من وفاء بالعهد الذي عهدناه إليهم وأوصيناهم به يوم أخذ الميثاق ، والآية على الأوّل اعتراض وعلى الثاني من تتمة الكلام السابق (وَإِنْ) مخففة أي : وإنا (وَجَدْنا) أي : في علمنا في عالم الشهادة (أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) أي : خارجين عن دائرة العهد طبق ما كنا نعلمه منهم في عالم الغيب وما أبرزناه في عالم الشهادة إلا لنقيم عليهم به الحجة على ما يتعارفونه بينهم في مجاري عاداتهم ومدارك عقولهم.
(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) أي : الرسل المذكورين وهم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم الصلاة والسّلام أو الأمم المهلكين (مُوسى) عليهالسلام (بِآياتِنا) أي : بحجتنا الدالة على صدقه كاليد والعصا (إِلى فِرْعَوْنَ) هو علم جنس لملوك مصر ككسرى لملوك فارس وقيصر لملوك الروم والنجاشي لملوك الحبشة ، وكان اسم فرعون موسى : قابوس ، وقيل : الوليد بن مصعب بن الريان وكان ملك القبط (وَمَلَائِهِ) أي : عظماء قومه وخصهم بالذكر لأنهم إذا أذعنوا أذعن من دونهم
__________________
(١) البيت من الوافر ، وهو لسمير بن الحارث الضبي في تاج العروس (سمع) ، ولشمير بن الحارث في نوادر أبي زيد ص ١٢٤ ، وبلا نسبة في لسان العرب (سمع).