فكأنهم المقصودون والإرسال إليهم إرسال إلى الكل (فَظَلَمُوا) أي : كفروا (بِها) أي : بسبب رؤيتها خوفا على رياستهم ومملكتهم الفانية أن تخرج من أيديهم (فَانْظُرْ) أيها المخاطب بعين البصيرة (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) أي : آخر أمرهم أي : كيف فعلنا بهم وكيف أهلكناهم.
(وَقالَ مُوسى) لما دخل على فرعون (يا فِرْعَوْنُ) خاطبه بما يعجبه امتثالا لأمر الله تعالى له أن يلين في خطابه وذلك لأن فرعون كان لقب مدح لمن ملك مصر (إِنِّي رَسُولٌ) أي : مرسل إليك وإلى قومك ثم بين مرسله بقوله تعالى : (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي : الإله الذي خلق الخلق وهو سيدهم ومالكهم ، وقوله تعالى :
(حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) جواب لتكذيب فرعون إياه في دعوى الرسالة وإنما لم يذكره لدلالة قوله تعالى : (فَظَلَمُوا بِها) [الأعراف ، ١٠٣] والحق هو الثابت الدائم والحقيق : مبالغة فيه وكأن المعنى : أنا ثابت مستمرّ على أن لا أقول على الله إلا الحق قرأ نافع عليّ بالتشديد فحقيق مبتدأ خبره أن وما بعدها والباقون بالسكون وعلى هذا تكون على بمعنى الباء أو يضمن حقيق معنى حريص وأن لا مقطوعة في الرسم أي : النون من لام الألف (قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ) أي : معجزة (مِنْ رَبِّكُمْ) على صدقي فيما أدعي من الرسالة وهي العصا واليد البيضاء ثم إن موسى عليهالسلام لما فرّغ من تبليغ رسالته رتب على ذلك الحكم قوله : (فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : فخلهم حتى يرجعوا معي إلى الأرض المقدّسة التي هي وطن آبائهم وكان قد استعبدهم واستخدمهم في الأعمال الشاقة من ضرب اللبن ونقل التراب ونحوهما (قالَ) فرعون لعنه الله مجيبا لموسى عليهالسلام (إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ) أي : علامة على صحة رسالتك (فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أي : في عداد أهل الصدق العريقين فيه لتصح دعواك عندي وتثبت.
(فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ) أي : العصا (ثُعْبانٌ مُبِينٌ) أي : ظاهر أمره لا شك فيه أنه ثعبان ، والثعبان الذكر العظيم من الحيات.
فإن قيل : أليس قال الله تعالى في موضع : (كَأَنَّها جَانٌ) [النمل ، ١٠] والجان الحية الصغيرة؟ أجيب : بأنها كانت كالجان في الخفة والحركة وهي في جثتها حية عظيمة. روي أنه لما ألقاها صارت حية عظيمة صفراء شقراء فاغرة فاها بين لحييها ثمانون ذراعا وارتفعت عن الأرض بقدر ميل وقامت على ذنبها واضعة لحيها الأسفل في الأرض والأعلى على سور القصر وتوجهت نحو فرعون لتأخذه فوثب فرعون عن سريره هاربا وأحدث قيل : أخذته البطن في ذلك اليوم أربعمائة مرّة وقد قيل : إنه كان يأكل الموز حتى لا يتغوّط وحملت على الناس فانهزموا وصاحوا ومات منهم خمسة وعشرون ألفا ودخل فرعون البيت وصاح يا موسى أنشدك الله الذي أرسلك أن تأخذها وأنا أؤمن بك وأرسل معك بني إسرائيل فأخذها موسى فعادت عصا كما كانت ثم قال : هل معك آية أخرى قال : نعم.
(وَنَزَعَ يَدَهُ) أي : أخرجها من جيبه ، وقيل : من تحت إبطه بعد أن أراه إياها محترقة أدما كما كانت وهي عنده (فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ) نورانية (لِلنَّاظِرِينَ) لها شعاع غلب شعاع الشمس قال ابن عباس : كان لها نور ساطع يضيء ما بين السماء والأرض له لمعان مثل لمعان البرق فخرّوا على وجوههم ثم ردّها إلى جيبه فإذا هي كما كانت ولما كان البياض المفرط عيبا في الجسد وهو البرص قال الله تعالى في آية أخرى : (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) [طه ، ٢٢] أي : من غير برص.