يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة ، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار» (١) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لما خلق الله تعالى آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذرّيته إلى يوم القيامة ، وجعل بين عيني كل إنسان وبيصا من نور ، وعرضهم على آدم فقال : أي رب ، من هؤلاء؟ قال : ذرّيتك ، فرأى رجلا منهم ، فأعجبه وبيص ما بين عينيه ، فقال : يا رب من هذا؟ قال : داود ، قال : يا رب كم جعلت عمره؟ قال : ستين سنة ، قال : يا رب زده من عمري أربعين سنة ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فلما انقضى عمر آدم إلا أربعين سنة جاءه ملك الموت ، فقال آدم : أولم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال : أولم تعطها ابنك داود؟ فجحد آدم فجحدت ذرّيته ، ونسي آدم فأكل من الشجرة فنسيت ذرّيته ، وخطىء فخطئت ذرّيته» (٢) أخرجه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أبصر آدم في ذرّيته قوما لهم نور ، فقال : يا رب من هم؟ فقال : الأنبياء ، ورأى واحدا هو أشدّهم نورا ، فقال : يا رب من هو؟ قال : داود ، قال : فكم عمره؟ قال : ستون سنة ، قال آدم : هو قليل ، وكان عمر آدم ألف سنة ، فقال : يا رب زده من عمري أربعين سنة ، فلما تم عمر آدم تسعمائة وستين سنة أتاه ملك الموت ليقبض روحه ، فقال : بقي من أجلي أربعون سنة ، فقال : ألست قد وهبتها من ابنك داود؟ فقال : ما كنت لأجعل لأحد من أجلي شيئا ، فعند ذلك كتب لكل نفس أجلها» (٣).
وعن مقاتل أنّ الله تعالى مسح صفحة ظهر آدم اليمنى ، فخرج منه ذرّية بيض كهيئة الذرّ تتحرك ، ثم مسح صفحة ظهره اليسرى ، فخرج منه ذرّية سود كهيئة الذرّ ، فقال : يا آدم هؤلاء ذرّيتك ، ثم قال لهم : ألست بربكم ، قالوا : بلى ، فقال للبيض : هؤلاء في الجنة برحمتي ، وهم أصحاب اليمين ، وقال للسود : هؤلاء في النار ، ولا أبالي ، وهم أصحاب الشمال وأصحاب المشأمة ، ثم أعادهم جميعا في صلب آدم ، فأهل القبور محبوسون حتى يخرج أهل الميثاق كلهم من أصلاب الرجال وأرحام النساء ، وقال تعالى فيمن نقض العهد الأوّل (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ) [الأعراف ، ١٠٢].
وقال بعض المفسرين : إنّ أهل السعادة أقروا طوعا ، وقالوا : بلى ، وأهل الشقاوة قالوا بغتة وكرها ، وذلك معنى قوله تعالى : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) [آل عمران ، ٨٣] واختلفوا في موضع الميثاق ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما : ببطن نعمان ، وهو واد إلى جنب عرفة ، وعنه أيضا أنه بدهناء من أرض الهند ، وهو الموضع الذي أهبط فيه آدم عليهالسلام ، وقال الكلبي : بين مكة والطائف.
فإن قيل : ما معنى قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ) وإنما أخرجهم من ظهر آدم؟ أجيب : بأنّ الله تعالى أخرج ذرّية آدم بعضهم من ظهور بعض على ما يتوالدون فالأبناء من الآباء في الترتيب ، فاستغنى عن ذكر ظهر آدم لما علم أنهم كلهم بنوه وأخرجوا من ظهره ، فالمخرج
__________________
(١) أخرجه الترمذي في التفسير حديث ٣٠٧٥ ، وأبو داود حديث ٤٦٩٣ ، وأحمد في المسند ١ / ٤٤.
(٢) أخرجه الترمذي في التفسير حديث ٣٠٧٦.
(٣) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.