الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦) ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (١٧٧) مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٧٨) وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٧٩) وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٨٠) وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٨١) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (١٨٢) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (١٨٣) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١٨٤) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (١٨٥) مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٨٦) يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (١٨٧))
(وَإِذْ) أي : إذ يا محمد (نَتَقْنَا) أي : رفعنا (الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ) أي : من أصله (كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : كأنه سقيفة والظلة كل ما أظلك من سقف بيت أو سحابة أو جناح حائط والجمع ظلل وظلال (وَظَنُّوا) أي : أيقنوا (أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ) أي : ساقط عليهم بوعد الله بوقوعه إن لم يقبلوا أحكام التوراة.
روي أنهم لم يقبلوا أحكام التوراة لعظمها وثقلها فرفع الله تعالى الطور على رؤوسهم مقدار عسكرهم فكان فرسخا في فرسخ ، وقيل لهم : إن قبلتموها بما فيها وإلا ليقعنّ عليكم فلما نظروا إلى الجبل خرّ كل واحد منهم ساجدا على حاجبه وهو ينظر بعينه اليمنى خوفا من سقوطه فلذلك لا ترى يهوديا يسجد إلا على حاجبه الأيسر ويقولون : هي السجدة التي رفعت عنا بها العقوبة ، وقوله تعالى : (خُذُوا) هو على إضمار القول أي : قلنا لهم خذوا أو قائلين خذوا (ما آتَيْناكُمْ) أي : من الكتاب وقوله تعالى : (بِقُوَّةٍ) أي : بجد وعزم على تحمل مشاقه حال من واو خذوا (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) أي : بالعمل به ولا تتركوه كالمنسي (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي : فضائح الأعمال ورذائل الأخلاق.
(وَإِذْ) أي : واذكر يا محمد حين (أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) وقوله تعالى : (مِنْ ظُهُورِهِمْ) بدل اشتمال مما قبله بإعادة الجار كما قاله السيوطي ، أو بدل بعض كما قاله البيضاوي ذرياتهم أي : بأن أخرج بعضهم من صلب بعض نسلا بعد نسل كنحو ما يتوالدون كالذر ، ونصب لهم دلائل على ربوبيته وركب فيهم عقلا عرفوا به ، كما جعل للجبال عقولا حين خوطبوا بقوله تعالى : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) [سبأ ، ١٠] كما جعل تعالى للبعير عقلا حتى سجد للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وكذا للشجرة حين سمعت لأمره وانقادت ، وكذا للنملة حين قالت : (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) [النمل ، ١٨]. وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر بألف بعد الياء وكسر التاء على الجمع والباقون بغير ألف وفتح التاء على التوحيد. (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ) قال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) أنت ربنا ، وعن مسلم بن يسار الجهني أنه قال : إنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل عن هذه الآية فقال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين سئل عنها فقال : «إنّ الله تبارك وتعالى خلق آدم ثم مسح على ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرّية ، فقال : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرّية ، فقال : هؤلاء إلى النار وبعمل أهل النار يعملون» ، فقال رجل : يا رسول الله ففيم العمل؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله تعالى إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى