بالفعل الكثير كما قاله بعض أصحابنا ، وهو ظاهر الحديث أيضا.
ولما كان اجتناء ثمرة الطاعة في غاية القرب منه نبه على ذلك باللام دون إلى فقال : (لِما يُحْيِيكُمْ) من العلوم الدينية فإنها حياة القلوب والجهل موتها ، قال أبو الطيب (١) :
لا تعجبنّ الجهول حليته |
|
فذاك ميت وثوبه كفن |
أو مما يورثكم الحياة الأبدية في النعيم الدائم من العقائد ، وقال السدي : هو الإيمان ؛ لأن الكافر ميت فيحيا بالإيمان ، وقال ابن إسحق : هو الجهاد أعزكم الله تعالى به بعد الذل ، وقال العتبي : هو الشهادة لقوله تعالى : (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران ، ١٦٩] (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) أي : إنه يميته فتفوته الفرصة التي هو واجدها وهي التمكن من إخلاص القلب ومعالجة أدوائه وعلله ورده سليما كما يردّه الله تعالى ، فاغتنموا هذه الفرصة وأخلصوا قلوبكم لطاعة الله ورسوله.
وقال الضحاك : يحول بين المرء المؤمن والمعصية وبين الكافر والطاعة ، وقال السدي : يحول بين المرء وقلبه ، فلا يستطيع أن يؤمن ولا أن يكفر إلا بإذنه ، وقال مجاهد : يحول بين المرء وقلبه ، فلا يعقل ولا يدري ما يعمل.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يكثر أن يقول : «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» قالوا : يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال : «القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء» (٢)(وَأَنَّهُ) أي : واعلموا أنه تعالى : (إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) لا إلى غيره فلا تتركوا مهملين معطلين فيجازيكم بأعمالكم وفي هذا تشديد في العمل وتحذير عن الكسل والغفلة.
(وَاتَّقُوا فِتْنَةً) أي : ذنبا ، قيل : هو إقرار المنكر بين أظهرهم ، وقيل : افتراق الكلمة ، وقيل : فتنة عذابا ، وقوله تعالى : (لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) جواب الأمر ، والمعنى إن إصابتكم لا تصب الظالمين منكم خاصة ، ولكنها تعمكم ، كما يحكى إنّ علماء بني إسرائيل لم ينهوا عن المنكر ، فعمهم الله تعالى بالعذاب.
فإن قيل : كيف جاز أن تدخل النون المؤكدة في جواب الأمر؟ أجيب : بأنّ فيه معنى النهي كقولك : انزل عن الدابة لا تطرحك ولا تطرحنك ، وكقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ) [النمل ، ١٨] (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) لمن خالفه.
(وَاذْكُرُوا) يا معاشر المهاجرين (إِذْ أَنْتُمْ) في أوائل الإسلام (قَلِيلٌ) أي : عددكم (مُسْتَضْعَفُونَ) أي : لا منعة لكم (فِي الْأَرْضِ) أي : أرض مكة ، وإطلاقها لأنها لعظمها كأنها هي الأرض كلها ، أو لأنّ حالهم كان في بقية البلاد كحالهم فيها أو قريبا من ذلك ، ولهذا عبر بالناس في قوله تعالى : (تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) أي : تأخذكم الكفار بسرعة كما تتخطف الجوارح الصيد (فَآواكُمْ) إلى المدينة ، أو جعل لكم مأوى تتحصنون فيه على أعدائكم (وَأَيَّدَكُمْ) أي : قوّاكم (بِنَصْرِهِ) أي : بإمداد الملائكة يوم بدر ، وبمظاهرة الأنصار (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ)
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو في ديوان المتنبي ١ / ٢١٥ بلفظ :
لا يعجبن مضيما حسن بزّته |
|
وهل تروق دفينا جودة الكفن |
(٢) أخرجه الترمذي في القدر حديث ٢١٤٠.