لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠) وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤٣) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥))
(وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) بالسيف بعد خروجك والمستضعفين ، فنفى تعالى في الآية أنه لا يعذبهم ما دام الرسول والمؤمنون فيهم ، وذكر في هذه الآية أنه يعذبهم إذا خرجوا من بينهم ، وقال الحسن : الآية الأولى منسوخة بهذه ، وردّ بأنّ الأخبار لا يدخلها النسخ ، واختلفوا في هذا العذاب فقال بعضهم : لحقهم هذا العذاب المتوعد به يوم بدر ، وقيل : يوم فتح مكة ، وقال ابن عباس : هذا العذاب هو عذاب الآخرة ، والعذاب الذي نفي عنهم هو عذاب الدنيا ، ثم بيّن تعالى ما لأجله يعذبهم ، فقال : (وَهُمْ يَصُدُّونَ) أي : يمنعون النبيّ صلىاللهعليهوسلم والمسلمين (عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أن يطوفوا به وذلك عام الحديبية ، ونبه تعالى على أنهم يصدّونهم لادعائهم أنهم أولياؤه ، فكانوا يقولون : نحن ولاة البيت والحرم ، فنصد من نشاء وندخل من نشاء ، ثم بيّن تعالى بطلان هذه الدعوى بقوله تعالى : (وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) كما زعموا (إِنْ) أي : ما (أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) أي : الذين يتحرّزون عن المنكرات الذين لا يعبدون فيه غيره ، وقيل : الضميران لله (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ) أي : الناس (لا يَعْلَمُونَ) أن لا ولاية لهم عليه وكأنه نبه بالأكثر على أنّ منهم من يعلم ويعاند ، أو أراد به الكل كما يراد بالقلة العدم.
(وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ) أي : دعاؤهم أو ما يسمونه صلاة ، أو ما يضعون موضعها (إِلَّا مُكاءً) أي : صفيرا (وَتَصْدِيَةً) أي : تصفيقا ، قال ابن عباس : كانت قريش يطوفون بالبيت عراة يصفرون ويصفقون.
وقال مجاهد : كان نفر من بني عبد الدار يعارضون النبيّ صلىاللهعليهوسلم في الطواف ويستهزؤون به ، ويدخلون أصابعهم في أفواههم ويصفرون ، ويخلطون عليه طوافه وصلاته ، فالمكاء جعل الأصابع في الشدق ، والتصدية الصفير ، وقال مقاتل : كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم إذا دخل المسجد الحرام قام رجلان عن يمينه ورجلان عن يساره يصفران ويصفقان ليخلطوا على النبيّ صلىاللهعليهوسلم صلاته (فَذُوقُوا الْعَذابَ) أي : عذاب القتل والأسر ببدر في الدنيا ، وعذاب النار في الآخرة (بِما) أي : بسبب ما (كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) اعتقادا وعملا. ولما ذكر تعالى عبادة الكفار البدنية ، وهي المكاء والتصدية ، ذكر عقبه عبادتهم المالية التي لا جدوى لها في الآخرة بقوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) في حرب النبيّ صلىاللهعليهوسلم (لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي :