تعالى ما يقول» فعاد المقداد لقوله ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «اللهمّ أغن المقداد من فضلك» فقال : ذاك الذي أردت يا رسول الله فقتله النبيّ صلىاللهعليهوسلم فأنشدت أخته (١) :
ما كان ضرك لو مننت وربما |
|
منّ الفتى وهو المغيظ المحنق |
فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «لو بلغني هذا الشعر قبل قتله لمننت عليه» (٢)(إِنْ) أي : ما (هذا) أي : القرآن (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي : أخبار الأمم الماضية وأسماؤهم ، وما سطر الأوّلون في كتبهم ، والأساطير جمع أسطورة وهي المكتوبة من قولهم سطرت أي : كتبت وقيل : أساطير جمع أسطور وأسطار جمع سطر.
(وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا) أي : الذي يقرؤه محمد (هُوَ الْحَقَ) المنزل (مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أي : مؤلم على إنكاره غير الحجارة قاله النضر وغيره ، استهزاء وإيهاما أنه على بصيرة وجزم ببطلانه.
وعن معاوية رضي الله عنه أنه قال لرجل من سبأ : ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة قال : أجهل من قومي قومك قالوا : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) الآية ، وما قالوا : إن كان هذا هو الحق فاهدنا إليه.
فإن قيل : قد حكى الله تعالى هذه المقالة عن الكفار ، وهي من حسن نظم القرآن ، فقد حصلت المعارضة في هذا القدر ، وأيضا حكي عنهم أنهم قالوا في سورة بني إسرائيل ، وقالوا : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) [الإسراء ، ٩٠] الآية ، وذلك أيضا كلام الكفار ، فقد حصل من كلامهم ما يشبه نظم القرآن وذلك يدل على حصول المعارضة ، أجيب : بأنّ الإتيان بهذا القدر لا يكفي في حصول المعارضة ؛ لأنه كلام قليل لا تظهر فيه وجوه المعارضة والفصاحة والبلاغة ؛ لأنّ أقل ما وقع به التحدي سورة أو قدرها قال الله تعالى :
(وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) أي : بما سألوه (وَأَنْتَ فِيهِمْ) أي : لأنّ العذاب إذا نزل عمّ ، ولم يعذب أمّة إلا بعد خروج نبيها والمؤمنين منها (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) أي : وفيهم من يستغفر ، وهم المسلمون بين أظهرهم ممن تخلف عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم من المستضعفين.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه كان في هذه الأمّة أمانان أما النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقد مضى وأمّا الاستغفار فهو كائن فيكم إلى يوم القيامة ، فاللفظ وإن كان عامّا إلا أنّ المراد بعضهم كما يقال قدم أهل البلدة الفلانية على القتال والمراد بعضهم.
(وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤) وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦) لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٣٧) قُلْ
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو لقتيلة بنت النضر في الأغاني ١ / ٣٠ ، وحماسة البحتري ص ٣٧٦ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢٣٩ ، والدرر ١ / ٢٥٠ ، ولسان العرب (غيظ) ، (حنق).
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره ٩ / ١٥٢ ، وأبو داود في المراسيل ٣٧.