إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩) وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (٥٤) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١))
(وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) في سائر ما يأمران به ؛ لأنّ الجهاد لا ينفع إلا مع التمسك بسائر الطاعات (وَلا تَنازَعُوا) أي : تختلفوا فيما بينكم (فَتَفْشَلُوا) أي : تجبنوا (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) أي : قوّتكم ودولتكم ، والريح مستعارة للدولة شبهها في نفوذ أثرها بالريح ، ثم أدخل المشبه في جنس المشبه به ادعاء ، وأطلق اسم المشبه به على المشبه ، وقيل : المراد بها الحقيقة ؛ لأنه لم يكن قط نصر إلا بريح يبعثها الله تعالى ، وفي حديث الشيخين «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور» (١) ، وعن النعمان بن مقرن قال : «شهدت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فكان إذا لم يقاتل من أوّل النهار أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر» (٢) أخرجه أبو داود (وَاصْبِرُوا) أي : عند لقاء العدوّ ولا تنهزموا عنه (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) بالنصر والمعونة.
روي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدوّ واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أنّ الجنة تحت ظلال السيوف» ثم قال صلىاللهعليهوسلم : «اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم» (٣).
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) أي : ليمنعوا غيرهم ولم يرجعوا بعد نجاتها (بَطَراً) أي : فخرا وطغيانا في النعمة وذلك إنّ النعم إذا كثرت من الله تعالى على العبد فإن صرفها في المفاخرة على الأقران وكاثر بها أبناء الزمان وأنفقها في غير طاعة الرحمن ، فذلك هو البطر في النعمة ، وإن صرفها في طاعة الله وابتغاء مرضاته فذلك شكرها (وَرِئاءَ النَّاسِ) أي : ليثنوا عليهم بالشجاعة والسماحة وذلك أنهم لما بلغوا الجحفة ، وأتاهم رسول أبي سفيان أن ارجعوا فقد سلمت عيركم ، فقال أبو جهل : لا والله حتى نقدم بدرا ، وكان بدر موسما من مواسم العرب يجتمع
__________________
(١) أخرجه البخاري في الجمعة حديث ١٠٣٥ ، ومسلم في الاستسقاء حديث ٩٠٠.
(٢) أخرجه أبو داود في الجهاد باب ١٠١ ، والترمذي في السير باب ٤٦ ، وأحمد في المسند ٥ / ٤٤٥.
(٣) أخرجه البخاري في الجهاد حديث ٢٩٦٦ ، ومسلم في الجهاد حديث ١٧٤٢ ، وأبو داود في الجهاد حديث ٢٦٣١.