كالتحضيض ، وهو الحث على الشيء (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) منهم (وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ) صابرة (يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهذا خبر بمعنى الأمر أي : ليقاتل العشرون منكم المائتين والمائة الألف قتال عشرة أمثالكم.
تنبيه : تقييد ذلك بالصبر يدلّ على أنه تعالى ما أوجب هذا الحكم إلا بشرط كونه صابرا قادرا على ذلك ، وإنما يحصل هذا الشرط عند حصول أشياء منها : أن يكون شديد الأعضاء قويا جلدا ، ومنها : أن يكون قويّ القلب شديد البأس شجاعا غير جبان ، ومنها : أن يكون غير متحرف لقتال أو متحيز إلى فئة ، فإنّ الله تعالى استثنى هاتين الحالتين في الآيات المتقدّمة فعند حصول هذه الشروط كان يجب على الواحد أن يثبت للعشرة.
فإن قيل : حاصل هذه العبارة المطولة إنّ الواحد يثبت للعشرة فما الفائدة في العدول إلى هذه العبارة المطولة؟ أجيب : بأنّ هذا إنما ورد على وفق الواقعة فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يبعث السرايا والغالب أن تلك السرايا ما كان ينقص عددها عن العشرين ، وما كانت تزيد على المائة فلهذا المعنى ذكر الله تعالى هذين العددين.
وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر بالتاء على التأنيث والباقون بالياء على التذكير (بِأَنَّهُمْ) أي : بسبب أنهم (قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) أي : جهلة بالله تعالى واليوم الآخر ، فلا يقاتلوا لطلب ثواب وخوف عقاب إنما يقاتلون حمية ، فإذا صدقتموهم في القتال لا يثبتون معكم ، وكان هذا يوم بدر فرض الله تعالى على الرجل الواحد من المسلمين قتال عشرة من الكافرين فثقلت على المؤمنين ، قال عطاء عن ابن عباس : لما نزل التكليف بهذه الآية صاح المهاجرون وقالوا : يا رب نحن جياع وعدوّنا شباع ، ونحن في غربة وعدوّنا في أهليهم ونحن قد أخرجنا من ديارنا وأموالنا ، وعدوّنا ليس كذلك فنسخها الله تعالى بقوله تعالى :
(الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) أيها المؤمنون (وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) أي : في قتال الواحد للعشرة (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) منهم (وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ) منهم (بِإِذْنِ اللهِ) أي : بإرادته تعالى ، فردّوا من العشرة إلى اثنين ، فإذا كان المسلمون على قدر النصف من عدوّهم لا يجوز أن يفروا ، وقال عكرمة : إنما أمر الرجل أن يصبر لعشرة والعشرة لمائة حال ما كان المسلمون قليلين ، فلما كثروا خفف الله تعالى عنهم ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : أيما رجل فر من ثلاثة فلم يفر ، فإن فر من اثنين فقد فر (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) بالنصر والمعونة فكيف لا يغلبون ، قال سفيان بن شبرمة : وأرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل ذلك ونزل لما أخذوا الفداء من أسرى بدر.
(ما كانَ) أي : ما صح وما استقام (لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) قرأ أبو عمرو بالتاء على التأنيث ، والباقون بالياء على التذكير (حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) أي : يكثر قتل الكفار ، ويبالغ فيه حتى يذل الكفر ويقل حزبه ، ويعز الإسلام ويستولي أهله ؛ لأنّ الملك والدولة إنما تقوى وتشتدّ بالقتل ، قال الشاعر (١) :
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى |
|
حتى يراق على جوانبه الدم |
__________________
(١) البيت بلا نسبة في خزانة الأدب ١ / ١٩٣.