شأنه وأمره ومن لا تطب نفسه ليعطنا وليكن قرضا علينا أي : بمنزلة القرض حتى نصيب شيئا فنعطيه مكانه فقالوا : رضينا وسلمنا فقال : إني لا أدري لعلّ فيكم من لا يرضى فمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا فرفعت إليه العرفاء أن قد رضوا (١).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) أي : ذوو نجس لأنّ معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس أو إنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يتجنبون النجاسات فهي ملابسة لهم أو جعلوا كأنهم النجاسات بعينها مبالغة في وصفهم بها ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير ، وعن الحسن رحمهالله تعالى : من صافح مشركا توضأ وأهل المذاهب على خلاف هذين القولين والنجس مصدر يستوي فيه المذكر والمؤنث والتثنية والجمع.
(فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) أي : لنجاستهم وإنما نهى عن الاقتراب للمبالغة والمنع من دخول الحرم. قال العلماء : وجملة بلاد الإسلام في حق الكفار على ثلاثة أقسام :
أحدها : الحرم فلا يجوز للكافر أن يدخل المسجد بحال ذميا كان أو مستأمنا لظاهر هذه الآية وإذا جاء رسول من دار الكفر إلى الإمام والإمام في الحرم لا يؤذن له في دخول الحرم بل يخرج إليه الإمام أو يبعث إليه من يسمع رسالته خارج الحرم وجوّز أبو حنيفة وأهل الكوفة للمعاهد دخول الحرم.
القسم الثاني : من بلاد الإسلام الحجاز فيجوز للكافر دخوله بالإذن ولا يقيم فيه أكثر من ثلاثة أيام. لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «لأخرجنّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما» (٢) فأجلاهم عمر في خلافته وأحل لمن قدم منهم تاجرا ثلاثا وجزيرة العرب من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول وأمّا في العرض فمن جدّة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشأم.
والقسم الثالث : سائر بلاد الإسلام يجوز للكافر أن يقيم فيها بذمّة أو أمان لكن لا يدخل المساجد إلا بإذن مسلم لحاجة.
وقوله تعالى : (بَعْدَ عامِهِمْ هذا) إشارة إلى العام الذي حج فيه أبو بكر رضي الله تعالى عنه ونادى عليّ رضي الله عنه ببراءة وهو سنة تسع من الهجرة وقيل سنة حجة الوداع ولما أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم عليا أن يقرأ على مشركي مكة أوّل براءة وينبذ إليهم عهدهم وأنّ الله بريء من المشركين ورسوله قال أناس يا أهل مكة ستعلمون ما تلقون من الشدّة لانقطاع السبيل وفقد الحمولات وذلك أنّ أهل مكة كانت معايشهم من التجارات وكان المشركون يأتون مكة بالطعام ويتجرون فلما امتنعوا من دخول الحرم خافوا الفقر وضيق العيش فذكروا ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) أي : فقرا وحاجة بانقطاع تجارتهم عنكم (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي : من عطائه وتفضله من وجه آخر وقد أنجز الله تعالى وعده بأن أرسل المطر عليهم مدرارا فكثر خيرهم وأسلم أهل جدّة وصنعاء وتبالة وجرش وجلبوا الميرة الكثيرة إلى مكة فكفاهم الله تعالى ما كانوا يخافون ، وتبالة بفتح التاء وجرش بضمّ الجيم وفتح الراء وشين معجمة قريتان من قرى اليمن وقيد ذلك بقوله
__________________
(١) أخرجه البخاري في الوكالة حديث ٢٣٠٨ ، وأبو داود في الجهاد حديث ٢٦٩٣.
(٢) أخرجه مسلم في الجهاد حديث ١٧٦٧ ، وأبو داود في الخراج حديث ٣٠٣٠ ، والترمذي في السير حديث ١٦٠٧.