تعالى : (إِنْ شاءَ) لتنقطع الآمال إليه تعالى ولينبه على أنه متفضل في ذلك وأنّ الغنى الموعود يكون لبعض دون بعض وفي عام. دون عام (إِنَّ اللهَ) أي : الذي له الإحاطة الكاملة (عَلِيمٌ) أي : بوجوه المصالح (حَكِيمٌ) أي : فيما يعطي ويمنع ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ألقى الشيطان في قلوبهم الخوف وقال من أين تأكلون فأمرهم الله تعالى بقتال أهل الكتاب كما قال تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة ، ٢٩].
فإن قيل : اليهود والنصارى يزعمون أنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر فكيف أخبر الله تعالى عنهم بذلك؟ أجيب : بأنّ من اعتقد أن العزير ابن الله وأنّ المسيح ابن الله فليس بمؤمن بل هو مشرك وبأنّ من كذب رسولا من الرسل فليس بمؤمن واليهود والنصارى يكذبون أكثر الأنبياء (وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ) من الشرك وأكل أموال الناس بالباطل وتبديل التوراة والإنجيل وغير ذلك (وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ) أي : الثابت الذي هو ناسخ لسائر الأديان وهو الإسلام كما قال تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) [آل عمران ، ١٩] (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أي : اليهود والنصارى بيان للذين لا يؤمنون (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) وهي الخراج المضروب على رقابهم في نظير سكناهم في بلاد الإسلام آمنين مأخوذ من المجازاة لكفنا عنهم.
وقيل من الجزاء بمعنى القضاء قال الله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [البقرة ، ٤٨] أي : لا تقضي وقوله تعالى : (عَنْ يَدٍ) حال من الضمير أي : منقادين مقهورين يقال لكل من أعطى شيئا كرها من غير طيب نفس أعطي عن يد ، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يعطونها بأيديهم ولا يرسلون بها على يد غيرهم وهل يجوز أن يوكلوا مسلما في دفعها أو لا ينبغي على تفسير الصغار المذكور في قوله تعالى : (وَهُمْ صاغِرُونَ) أي : أذلاء منقادون لحكم الإسلام ويكفي في الصغار أن يجري عليهم الحكم بما لا يعتقدون حله أن يجوز التوكيل على هذا تفسيره ـ أن يجلس الآخذ ويقوم الكافر ويطأطىء رأسه ويحني ظهره ويضع الجزية في الميزان ويقبض الآخذ لحيته ويضرب لهزمتيه وهما مجتمع اللحم بين الماضغ والأذن من الجانبين ـ : مردود بأن هذه الهيئة باطلة ودعوى سنيتها أو وجوبها أشدّ بطلانا ولم ينقل أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم ولا أحدا من الخلفاء الراشدين فعل شيئا من ذلك وعلى تفسيرها بما ذكر يمتنع التوكيل إذا قيل بوجوبه لا باستحبابه.
تنبيه : مفهوم الآية يقتضي تخصيص الجزية بأهل الكتاب ولكن ألحق بهم المجوس لأنه صلىاللهعليهوسلم أخذها من مجوس هجر ، وقال : «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» (١) وكذا من زعم التمسك بصحف إبراهيم وزبور داود صلّى الله عليهما وسلم ومن أحد أبويه كتابيّ والآخر وثنيّ وأولاد من تهوّد أو تنصر قبل النسخ أو شككنا في وقت التهوّد والتنصر أكان قبل النسخ أم بعده؟ فلا تعقد لأولاد من تهوّد أو تنصر بعد النسخ في ذلك الدين ولا لعبدة الأوثان والشمس والملائكة والسامرة والصابئون إن خالفوا اليهود والنصارى في أصول دينهم فليسوا منهم وإلا فمنهم ، وعن مالك تؤخذ الجزية من كل كافر إلا المرتد ، وعن أبي حنيفة إلا مشركي العرب ، وأقلّ الجزية دينار لكل سنة عن كل واحد لقوله صلىاللهعليهوسلم لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن : «خذ من كلّ حالم ـ أي : محتلم ـ دينارا» (٢) صححه
__________________
(١) أخرجه مالك في الزكاة حديث ٤٢.
(٢) أخرجه أبو داود في الزكاة حديث ١٥٧٦ ، والترمذي في الزكاة حديث ٦٢٣ ، والنسائي في الزكاة حديث ٢٤٥٠.