فقوله : عزير مبتدأ ، وقوله : ابن خبره ، وإذا كان كذلك فلا بدّ من التنوين في حال السعة لأنّ عزيرا ينصرف سواء كان عربيا أم عجميا وسبب كونه منصرفا أمران : أحدهما : أنه اسم خفيف فينصرف وإن كان أعجميا كهود ولوط والثاني : أنه على صيغة التصغير وأنّ الأسماء الأعجمية لا تصغر. وأمّا الذين تركوا التنوين فلهم فيه أوجه : أحدها أنه أعجميّ معرفة فوجب أن لا ينصرف. وثانيها : قال الفرّاء : نون التنوين ساكنة من عزير والباء من ابن الله ساكنة فحصل ههنا التقاء الساكنين فحذف التنوين للتخفيف ، وردّ هذا الوجه بأنه مخالف لما تقرّر من أن الوجه عند ملاقاة التنوين للساكن التحريك لا الحذف. وثالثها : أنّ الابن وصف والخبر محذوف والتقدير عزير ابن الله معبودنا ، وردّ هذا أيضا بأنه يؤدّي إلى تسليم النسب وإنكار الخبر المقدّر لأنّ من أخبر عن ذات موصوفة بصفة بأمر من الأمور وأنكره منكر توجه الإنكار إلى الخبر فكان المقصود بالإنكار قولهم : عزير ابن الله معبودنا وحصل تسليم كونه ابن الله ومعلوم أن ذلك كفر.
(وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ) أي : عيسى (ابْنُ اللهِ) واختلف في السبب الذي قالوا ذلك لأجله فقيل : إنما قالوه استحالة لأن يكون ولد بلا أب ، وقيل : إنّ النصارى كانوا على دين الإسلام إحدى وثمانين سنة بعدما رفع عيسى عليه الصلاة والسّلام يصلون إلى القبلة ويصومون رمضان حتى وقع بينهم وبين اليهود حرب وكان في اليهود رجل شجاع يقال له بولص قتل جماعة من أصحاب عيسى عليهالسلام ثم قال بولص لليهود : إن الحق مع عيسى وقد كفرنا ومصيرنا إلى النار ونحن مغبونون إن دخلوا الجنة ودخلنا النار فإني سأحتال وأضلهم حتى يدخلوا النار وكان له فرس يقاتل عليه يقال له العقاب فعرقبه وأظهر الندامة والتوبة ووضع التراب على رأسه وقال للنصارى : نوديت من السماء ليس لك توبة إلا أن تتنصر وقد تبت وأتيتكم فأدخلوه الكنيسة ونصروه ودخل بيتا فيها مكث فيه سنة لا يخرج منه ليلا ولا نهارا حتى تعلم الإنجيل ثم خرج منه وقال : إنه نودي أنّ الله قبل توبتك فصدقوه وأحبوه وعلا شأنه فيهم ثم عمد إلى ثلاث رجال اسم واحد منهم نسطورا والآخر يعقوب والآخر ملكا فعلم نسطورا أنّ عيسى ومريم والإله ثلاث وعلم يعقوب أنّ عيسى ليس بإنسان ولا جسم ولكنه ابن الله وعلم ملكا أنّ عيسى هو الإله لم يزل ولا يزال فلما اشتهر ذلك فيهم دعا كل واحد منهم وقال له : أنت خالصتي فادع الناس لما علمتك ، وأمره أن يذهب إلى ناحية من البلاد ثم قال لهم : إني رأيت عيسى في المنام وقد رضي عني ، وقال لكل واحد منهم : سأذبح نفسي تقرّبا إلى عيسى ، ثم ذهب إلى المذبح فذبح نفسه وتفرّق أولئك الثلاثة فذهب واحد إلى الروم وواحد إلى بيت المقدس وواحد إلى ناحية أخرى وأحكم كل واحد منهم مقالته ودعا الناس إليها فتبعه على ذلك طوائف من الناس فتفرّقوا واختلفوا ووقع القتال فهذا هو السبب في وقوع الكفر في طوائف النصارى هذا ما حكاه الواحدي رحمهالله تعالى قال الرازي عقب هذه الحكاية : والأقرب عندي أن يقال ورد لفظ الابن في الإنجيل على سبيل التشريف ثم إنّ القوم لأجل عداوة القوم بالغوا وفسروا لفظ الابن بالبنوّة الحقيقية والجهال قبلوا ذلك وفشا هذا المذهب الفاسد في اتباع عيسى عليهالسلام والله سبحانه وتعالى أعلم بالحقيقة (ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) أي : لا مستند لهم عليه.
فإن قيل : كل قول يقال بالفم فما معنى بأفواههم؟ أجيب : بأنه قول لا يعضده برهان فما هو إلا لفظ تفوهوا به فارغ من معنى تحته كالألفاظ المهملة التي لا تدل على معان وذلك أنّ القول الدالّ على معنى لفظه مقول بالفم ومعناه مؤثر في القلب وما لا معنى له مقول بالفم لا غير أو بأن