يراد بالقول المذهب كقولهم قول الشافعيّ رحمهالله تعالى يريدون مذهبه وما يقول به كأنه قيل : ذلك مذهبهم ودينهم بأفواههم لا بقلوبهم لأنه لا حجة معه ولا شبهة حتى تؤثر في القلوب وذلك أنهم إذا اعترفوا أنه لا صاحبة له ولا ولد لم تكن لهم شبهة في انتفاء الولد قال أهل المعاني : لم يذكر الله تعالى قولا مقرونا بالأفواه والألسن إلا كان ذلك زورا (يُضاهِؤُنَ) قال ابن عباس : يشابهون ، وقال مجاهد : يواطئون ، وقال الحسن : يوافقون (قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) أي : من قبلهم ولا بدّ من حذف مضاف تقديره يضاهي قولهم قول الذين كفروا ثم حذف المضاف وأقيم الضمير المضاف إليه مقامه فانقلب مرفوعا والمعنى أنّ الذين كانوا في عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم من اليهود والنصارى يضاهي قولهم قول قدمائهم فالكفر قديم فيهم غير مستحدث أو يضاهي قول المشركين : الملائكة بنات الله ، وقيل : الضمير للنصارى أي : يضاهي قولهم : المسيح ابن الله قول اليهود عزير ابن الله لأنهم أقدم منهم. وقرأ عاصم بكسر الهاء وبعدها همزة مضمومة والباقون بضمّ الهاء ولا همز بعدها وقوله تعالى : (قاتَلَهُمُ اللهُ) دعاء عليهم بالهلاك فإنّ من قاتله الله تعالى هلك أو تعجب من شناعة قولهم كما يقال لمن فعل فعلا يتعجب منه قاتله الله ما أعجب فعله وقيل : لعنهم الله.
روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : كل شيء في القرآن مثله فهو لعن (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) أي : كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل مع قيام الدليل بأنّ الله تعالى واحد أحد فجعلوا له ولدا تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا وهذا التعجب راجع إلى الخلق لأنّ الله تعالى لا يتعجب من شيء ولكن هذا الخطاب على عادة العرب في مخاطباتهم فالله تعالى عجب نبيه صلىاللهعليهوسلم من تركهم الحق وإصرارهم على الباطل.
(اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ) أي : اتخذ اليهود أحبارهم أي : علماءهم والحبر في الأصل العالم من أي طائفة كان واختص في العرف بعلماء اليهود من ولد هارون وكان أبو الهيثم يقول : واحد الأحبار حبر بالفتح وينكر الكسر ، واتخذ النصارى رهبانهم أي : عبادهم أصحاب الصوامع ، والراهب في الأصل من تمكنت الرهبة من قلبه فظهر آثارها على وجهه ولباسه واختص في العرف بعلماء النصارى أصحاب الصوامع (أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) لأنهم أطاعوهم في تحريم ما أحلّ الله تعالى وتحليل ما حرّم الله تعالى كما تطاع الأرباب في أوامرهم ونحوه تسمية أتباع الشيطان فيما يوسوس به عباده كما قال تعالى : (بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ) [سبأ ، ٤١] وقال إبراهيم الخليل عليهالسلام : (يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ) [مريم : ٤٤] ، وعن عدي بن حاتم أنه قال : أتيت النبيّ صلىاللهعليهوسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال : «يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك» فطرحته ثم انتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة فوصل إلى هذه الآية فقلت : إنا لسنا نعبدهم فقال : أليس يحرمون ما أحلّ الله فتحرّمونه ويحلون ما حرّمه فتحلونه ، قلت : بلى ، قال : تلك عبادتهم» (١) قال عبد الله بن المبارك (٢) :
وهل بدّل الدين إلا الملوك |
|
وأحبار سوء ورهبانها |
فإن قيل : إنه تعالى كفرهم بسبب أن أطاعوا الأحبار والرهبان فالفاسق يطيع الشيطان فوجب الحكم بكفره على ما هو قول الخوارج. أجيب : بأنّ الفاسق وإن كان يقبل دعوى الشيطان إلا أنه
__________________
(١) أخرجه الترمذي حديث ٣٠٩٥ ، والطبراني في المعجم الكبير ١٧ / ٦٩.
(٢) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي ، ولعله ليس شعرا. والله أعلم.