آتاه الله مالا فلم يؤدّ زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه ـ يعني : شدقيه ـ ثم يقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) [آل عمران ، ١٨٠] الآية» (١) ، والشجاع : الحية ، والأقرع صفته لطول عمره لأنّ من طال عمره تمزق شعره وذهب وهي صفة أخبث الحيات ، والزبيبتان : الزائدتان في الشدقين.
وروي لما نزلت هذه الآية كبر على المسلمين فذكر عمر رضي الله عنه لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : إنّ الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم» (٢) وقال ابن عباس في قوله تعالى : (وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) يريد الذين لا يؤدّون زكاة أموالهم ، قال القاضي عياض تخصيص هذا المعنى بمنع الزكاة لا سبيل إليه بل الواجب أن يقال : الكنز هو الذي ما أخرج عنه ما وجب إخراجه ولا فرق بين الزكاة وبين ما يجب من الكفارات وبين ما يلزم من نفقة الحج وبين ما يجب إخراجه في الدين والحقوق والإنفاق على الأهل والعيال وضمان المتلفات وأروش الجنايات فيجب في كلّ هذا الآثام وأن يكون داخلا في الوعيد والقول الثاني : إنّ المال الكثير إذا جمع فهو الكنز المذموم واحتج الذاهبون إلى هذا القول بعموم الآية وبما روي أنه صلىاللهعليهوسلم قال لما نزلت هذه الآية : «تبا للذهب تبا للفضة» قالها ثلاثا فقالوا له : أي مال نتخذ قال : «لسانا ذاكرا وقلبا خاشعا وزوجة تعين أحدكم على دينه» (٣) وقال عليه الصلاة والسّلام : «من ترك صفراء أو بيضاء كوي بها» (٤) وتوفي شخص فوجد في مئزره دينار فقال صلىاللهعليهوسلم : «كية» وتوفي آخر فوجد في مئزره ديناران فقال : «كيتان» (٥) وأجاب القائلون بالأوّل بأنّ هذا كان قبل فرض الزكاة فأمّا بعد فرض الزكاة فالله أعدل وأكرم أن يجمع عبده مالا من حيث أذن فيه ويؤدّي ما أوجب عليه فيه ثم يعاقبه.
وقد روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه سئل عن هذه الآية فقال : كانت قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت جعلها الله طهرة للأموال وقال ما أبالي لو أنّ لي مثل أحد ذهبا أعلم عدده أزكيه وأعمل فيه بطاعة الله تعالى.
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «نعم المال الصالح للرجل الصالح» (٦) وقال صلىاللهعليهوسلم : «ما أدّي زكاته فليس بكنز» (٧) وكان في زمانه صلىاللهعليهوسلم جماعة معهم الأموال كعثمان وعبد الرحمن بن عوف وكان عليه الصلاة والسّلام يعدّهم من أكابر الصحابة وما عابهم أحد ممن أعرض عن القنية لأن الإعراض اختيار للأفضل وإلا دخل في الورع والزهد في الدنيا والاقتناء مباح موسع لا يذم صاحبه وكونه أدخل في الورع لأمور منها أن كسب المال شاق شديد وحفظه بعد حصوله أشدّ وأشق وأصعب فيبقى الإنسان طول عمره تارة في طلب التحصيل وأخرى في طلب الحفظ ثم إنه لا ينتفع منها إلا بالقليل ومنها أن
__________________
(١) أخرجه البخاري في الزكاة حديث ١٤٠٣ ، والنسائي في الزكاة حديث ٢٤٨٢.
(٢) أخرجه أبو داود في الزكاة حديث ١٦٦٤.
(٣) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ٣٦٦ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٦١١٢ ، و ٦٣١٢.
(٤) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ١٦٨ ، والطبري في تفسيره ١٠ / ٨٤.
(٥) أخرجه أحمد في المسند ١ / ١٠١ ، ١٣٧ ، ١٣٨ ، ٤١٢ ، ٤١٥ ، ٤٢١ ، ٤٥٧ ، ٢ / ٣٥٦ ، ٤٢٩ ، ٤٩٣.
(٦) أخرجه أحمد في المسند ٤ / ١٩٧ ، والبخاري في الأدب المفرد ٢٩٩ ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٨ / ١٤٩ ، والعجلوني في كشف الخفاء ٢ / ٢٤٢.
(٧) أخرجه بنحوه أبو داود في الزكاة حديث ١٥٦٤ ، والسيوطي في الدر المنثور ٢ / ٢٣٢ ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٤ / ٨ ، ١٠٦ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٥٧٦٦.