أخبارهم وقوله تعالى : (أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ) راجع إلى كل هؤلاء الطوائف (بِالْبَيِّناتِ) أي : المعجزات الباهرات والحجج الواضحات الدالة على صدقهم فكذبوهم وخالفوا أمرنا كما فعلتم أيها الكفار والمنافقون فاحذروا أن يصيبكم مثل ما أصابهم فتعجل لكم النقمة كما عجلت لهم. وقرأ أبو عمرو بسكون السين والباقون بالرفع (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) بتعجيل العقوبة لهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) حيث عرضوها للعقاب بالكفر والتكذيب ، ولما بالغ سبحانه وتعالى في وصف المنافقين بالأعمال الفاسدة والأفعال الخبيثة ثم ذكر عقبه أنواع الوعيد في حقهم في الدنيا والآخرة ذكر بعده صفات المؤمنين بقوله تعالى :
(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) في الدين واتفاق الكلمة والعون والنصرة وهذا في مقابلة قوله تعالى : (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) [التوبة ، ٦٧]. فإن قيل : لم قال تعالى في وصف المنافقين : (بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) وقال في وصف المؤمنين : (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) ما الحكمة في ذلك؟ أجيب : بأنه لما كان نفاق الإتباع حصل بسبب التقليد لأولئك الأكابر لسبب مقتضى الهوى والطبيعة والعادة قال فيهم : (بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) ولما كانت الموافقة الخالصة بين المؤمنين بتوفيق الله تعالى وهدايته لا بمقتضى الطبيعة وهوى النفس وصفهم بأنّ بعضهم أولياء بعض فظهر الفرق بين الفريقين وظهرت الحكمة ، وقوله تعالى : (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) أي : بالإيمان بالله ورسوله واتباع أمره والمعروف كل ما عرف من الشرع من خير وطاعة (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) أي : الشرك والمعاصي ، والمنكر كل ما ينكره الشرع وينفر منه الطبع في مقابلة قوله تعالى في المنافقين : (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) أي : المفروضة ويتمون أركانها وشروطها (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) أي : الواجبة عليهم في مقابلة قوله تعالى في المنافقين : (وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) المعبر به عن البخل وقوله تعالى : (وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي : فيما يأمرهم به في مقابلة قوله تعالى في المنافقين : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ ،) ولما ذكر تعالى ما وعد به المنافقين من العذاب في نار جهنم ذكر ما وعد به المؤمنين من الرحمة المستقبلة وهي ثواب الآخرة بقوله تعالى : (أُولئِكَ) أي : المؤمنون والمؤمنات الموصوفون بهذه الصفات (سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ) بوعد لا خلف فيه (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) أي : غالب على كل شيء لا يمتنع عليه ما يريده (حَكِيمٌ) أي : لا يقدر أحد على نقض ما يحكمه وحل ما يبرمه.
ولما ذكر سبحانه وتعالى الوعد على سبيل الإجمال ذكره على سبيل التفصيل بقوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) فذكر في هذه الآية أنّ الرحمة هي هذه الأنواع المذكورة في هذه الآية أوّلها قوله تعالى : (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) فهي لا تزال خضرة ذات بهجة نضرة ، ولما كان النعيم لا يكمل إلا بالدوام قال تعالى : (خالِدِينَ فِيها) والمراد بالجنات التي تجري من تحتها الأنهار البساتين التي يحير في حسنها الناظر لأنه تعالى قال : (وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) أي : إقامة وخلود وهذا هو النوع الثاني فتكون جنات عدن هي المساكن التي يسكنونها والجنات الأخر هي البساتين التي يتنزهون فيها فهذه فائدة المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه.
قد كثر كلام أصحاب الآثار في صفة جنات عدن فقال الحسن : سألت عمران بن الحصين عن قوله تعالى : (وَمَساكِنَ طَيِّبَةً) فقال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «قصر في الجنة من اللؤلؤ فيه سبعون دارا من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون بيتا من زمرّدة خضراء في كل بيت سبعون سريرا