الْمُجْرِمِينَ) أي : نجزيكم يا أهل مكة بتكذيبكم محمدا صلىاللهعليهوسلم ، فوضع المظهر موضع المضمر للدّلالة على كمال جرمهم ، وأنهم أعلام فيه.
(ثُمَّ جَعَلْناكُمْ) أي : أيها المرسل إليهم أشرف رسلنا (خَلائِفَ) جمع خليفة (فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي : استخلفناكم فيها بعد القرون التي أهلكناها استخلاف من يختبر (لِنَنْظُرَ) ونحن أعلم بكم من أنفسكم في علم الشهادة لإقامة الحجة. (كَيْفَ تَعْمَلُونَ) من خير أو شر فنجازيكم به ، وقد مرّ نظائر هذا ، ومنه قوله تعالى : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [هود : ٧]. وقال صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الدنيا خضرة حلوة ، وإنّ الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون» (١). وقال قتادة : صدق الله ربنا ما جعلنا خلفاء إلا لينظر إلى أعمالنا ، فأروا الله من أعمالكم خيرا بالليل والنهار. قال الزجاج : وموضع كيف نصب بقوله تعملون ، أي : لا معمول ننظر ؛ لأنها حرف استفهام ، والاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ؛ لأنّ له صدر الكلام فلا يتقدمه عامله ، وظاهر كلامه أنّ كيف مفعول لتعملون ، وجمهور النحاة على أنه حال من ضمير تعملون.
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨) وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩) وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠))
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ) أي : وإذا قرئ على هؤلاء المشركين. (آياتُنا) أي : القرآن الذي أنزلناه إليك يا محمد حالة كون تلك الآيات (بَيِّناتٍ) أي : ظاهرات تدل على وحدانيتنا وصحة نبوّتك. (قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا) أي : لا يخافون عذابنا ، ولا يرجون ثوابنا ؛ لأنهم لا يؤمنون بالبعث بعد الموت ، وكل من كان منكرا للبعث بعد الموت ؛ فإنه لا يرجو ثوابا ولا يخاف عقابا. (ائْتِ) أي : من عندك (بِقُرْآنٍ) أي : كلام مجموع جامع لما نريد. (غَيْرِ هذا) في نظمه ومعناه. (أَوْ بَدِّلْهُ) بألفاظ أخرى ، والمعاني باقية ، وقد كانوا عالمين بأنه صلىاللهعليهوسلم مثلهم في العجز عن ذلك ، ولكنهم قصدوا أن يأخذ في التغيير حرصا على إجابة مطلوبهم ، فيبطل مدعاه أو يهلك ، واختلف في هذا القائل.
فقال قتادة : هم مشركو أهل مكة. وقال مقاتل : هم خمسة نفر : عبد الله بن أمية الجمحي ، والوليد بن المغيرة ، ومكدر بن حفص ، وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري ، والعاصي بن عامر بن هشام ، قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : إن كنت تريد أن نؤمن بك فأت بقرآن ليس فيه ترك لعبادة اللات
__________________
(١) أخرجه مسلم في الذكر حديث ٢٧٤٢ ، والترمذي في الفتن حديث ١٢٩١ ، وابن ماجه في الفتن حديث ٤٠٠٠.