وفي رواية أخرى له أنه أخر الاستغفار إلى ليلة الجمعة ؛ لأنها أوفق لأوقات الإجابة.
وقال وهب : كان يستغفر لهم كل ليلة جمعة في نيف وعشرين سنة. وقال طاوس : أخر إلى السحر من ليلة الجمعة فوافق ليلة عاشوراء ، وقيل : استغفر لهم في الحال ، وقوله : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ) معناه أني أداوم على هذا الاستغفار في الزمان المستقبل ، وقيل : قام إلى الصلاة في وقت السحر فلما فرغ رفع يديه ، وقال : اللهم اغفر لي جزعي على يوسف وقلة صبري عنه ، واغفر لأولادي ما فعلوا في حق يوسف ، فأوحى الله تعالى إليه أني قد غفرت لك ولهم أجمعين.
وعن الشعبي قال : أسأل يوسف أن عفا عنكم استغفر لكم ربي (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) كل ذلك تسكينا لقلوبهم وتصحيحا لرجائهم ، وروي أنّ يوسف عليهالسلام كان بعث مع البشير إلى يعقوب عليهالسلام مئتي راحلة وجهازا كثيرا ليأتوا بيعقوب وأهله وولده ، فتهيأ يعقوب عليهالسلام للخروج إلى مصر ، فخرج بهم فلما دنا من مصر كلم يوسف الملك الذي فوقه ، فخرج يوسف عليهالسلام والملك في أربعة آلاف من الجند والعظماء وركب أهل مصر معهما بأجمعهم يتلقون يعقوب ، وكان يعقوب يمشي وهو يتوكأ على يهوذا ، فنظر إلى الخيل والناس فقال : يا يهوذا هذا فرعون مصر؟ قال : لا هذا ابنك يوسف ، فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه ذهب يوسف يبدؤه بالسلام ، فقال له جبريل : لا حتى يبدأ يعقوب بالسلام فقال يعقوب : السّلام عليك يا مذهب الأحزان.
وقال الثوري : لما التقى يعقوب ويوسف عليهماالسلام عانق كل واحد منهما صاحبه وبكى فقال يوسف : يا أبت بكيت عليّ حتى ابيضت عيناك ألم تعلم أنّ القيامة تجمعنا؟ قال : بلى يا بنيّ ولكن خشيت أن يسلب دينك ، فيحال بيني وبينك فذلك قوله تعالى : (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى ،) أي : ضمّ (إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ) قال الحسن : أباه وأمّه وكانت حية إكراما لهما بما يتميزان ، به وغلب الأب في التثنية لذكورته ، وعن ابن عباس أنها خالته ليا وكانت أمه قد ماتت في نفاس بنيامين. قال البغويّ : وفي بعض التفاسير أنّ الله تعالى أحيا أمّه حتى جاءت مع يعقوب إلى مصر.
فإن قيل : ما معنى دخولهم عليه قبل مصر؟ أجيب : بأنه حين استقبلهم نزل بهم في خيمة أو بيت هناك فدخلوا عليه وضمّ إليه أبويه (وَقالَ) مكرما (ادْخُلُوا مِصْرَ ،) أي : البلد المعروف وأتى بالشرط للأمن لا للدخول فقال : (إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) من جميع ما ينوب حتى مما فرطتم في حقي وفي حق أخي ، روي أنّ يعقوب عليهالسلام وولده دخلوا مصر وهم اثنان وسبعون ما بين رجل وامرأة وخرجوا منها مع موسى عليهالسلام والمقاتلون منهم ألف وبضعة وسبعون رجلا سوى الصبيان والشيوخ.
(وَ) لما استقرّت بهم الدار بدخول مصر (رَفَعَ أَبَوَيْهِ ،) أي : أجلسهما معه (عَلَى الْعَرْشِ ،) أي : السرير الرفيع والرفع هو النقل إلى العلوّ (وَخَرُّوا لَهُ ،) أي : انحنوا له أبواه وإخوته (سُجَّداً ،) أي : سجود انحناء ، والتواضع قد يسمى سجودا كقول الشاعر (١) :
ترى الأكم فيها سجدا للحوافر
لا وضع جبهة وكان تحيتهم في ذلك الزمان ، أو أنهم وضعوا الجباه وكان ذلك على طريقة
__________________
(١) الشطر من الطويل ، ولم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.