قال أبو بكر الأنباري : أفند الرجل إذا خرف وتغير عقله. وعن الأصمعي إذا كثر كلام الرجل من خرف فهو مفند. قال في «الكشاف» : يقال : شيخ مفنّد ولا يقال : عجوز مفندة ؛ لأنها لم تكن في شبيبتها ذات رأي حتى تفند في كبرها ، وقيل : التفنيد الإفساد يقال : فندت فلانا إذا أفسدت رأيه ورددته قال بعضهم (١) :
يا صاحبيّ دعا لومي وتفنيدي |
|
فليس ما فات من أمر بمردود |
ولما ذكر يعقوب عليهالسلام ذلك (قالُوا ،) أي : الحاضرون عنده (تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ ،) أي : حبك (الْقَدِيمِ) ليوسف لا تنساه ولا تذهل عنه على بعد العهد ، وهو كقول إخوة يوسف : (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [يوسف ، ٨] وقال مقاتل : معنى الضلال هنا الشقاء ، أي : شقاء الدنيا ، والمعنى : إنك لفي شقائك القديم بما تكابده من الأحزان على يوسف ، وقال الحسن : إنما خاطبوه بذلك لاعتقادهم أنّ يوسف قد مات ، فكان يعقوب في ولوعه بذكره ذاهبا عن الرشد والصواب ، ثم إنهم عجلوا له بشيرا فأسرع قبل وصولهم بالقميص (فَلَمَّا) وزيدت (أَنْ) لتأكيد مجيئه على تلك الحالة ، وزيادتها بعد لما قياس مطرد (جاءَ الْبَشِيرُ) وهو يهوذا بذلك القميص (أَلْقاهُ ،) أي : طرحه البشير (عَلى وَجْهِهِ ،) أي : يعقوب ، وقيل : ألقاه يعقوب على وجه نفسه (فَارْتَدَّ ،) أي : رجع (بَصِيراً ،) أي : صيره الله بصيرا كما كان ، كما يقال : طالت النخلة ، والله تعالى هو الذي أطالها. ولما ألقى القميص على وجهه وبشر بحياة يوسف عليهالسلام عظم فرحه ، وانشرح صدره ، وزالت أحزانه فعند ذلك (قالَ) لبنيه (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) من حياة يوسف وإنا الله تعالى يجمع بيننا ، قال السهيليّ : لما جاء البشير إلى يعقوب عليهالسلام ، أعطاه في بشارته كلمات كان يرويها عن أبيه عن جدّه عليهمالسلام ، وهي : يا لطيفا فوق كل لطيف ألطف بي في أموري كلها كما أحب ورضني في دنياي وآخرتي. وروي أنّ يعقوب عليهالسلام قال للبشير : كيف تركت يوسف؟ قال : تركته ملك مصر. قال : ما أصنع بالملك على أي دين تركته؟ قال : على دين الإسلام. قال : الآن تمت النعمة فعند ذلك (قالُوا يا أَبانَا) منادين بالأداة التي تدل على الاهتمام العظيم بما بعدها لما له من عظيم الوقع (اسْتَغْفِرْ ،) أي : اطلب من الله تعالى أن يغفر (لَنا ذُنُوبَنا ،) أي : التي اقترفناها ثم قالوا مؤكدين تحقيقا للإخلاص في التوبة (إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ ،) أي : متعمدين للإثم بما ارتكبنا في أمر يوسف عليهالسلام ومن حق المعترف بذنبه أن يصفح عنه ، ويسأل له المغفرة. قال صلىاللهعليهوسلم : «إنّ العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه» (٢).
فكأنه قيل : فما قال لهم؟ فقيل : (قالَ) لهم : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ ،) أي : أطلب أن يغفر (لَكُمْ رَبِّي) الذي أحسن إليّ بأنّ يغفر لبنيّ حتى لا يفرق بيني وبينهم في دار البقاء والربوبية ملك هو أتم الملك على الإطلاق وهو ملك الله تعالى ، وظاهر هذا الكلام أنه لم يستغفر لهم في الحال بل وعدهم بأن يستغفر لهم بعد ذلك ، واختلفوا في سبب هذا المعنى على وجوه ، فقال ابن عباس والأكثرون : أراد أن يستغفر لهم في وقت السحر ؛ لأنّ هذا الوقت أوفق الأوقات لرجاء الإجابة ،
__________________
(١) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.
(٢) أخرجه البخاري في الشهادات حديث ٢٦٦١.