سُوءُ الْحِسابِ) وهو المناقشة فيه ، وعن النخعي بأن يحاسب العبد بذنبه كله لا يغفر منه شيء ، وإنما نوقشوا ؛ لأنهم أحبوا الدنيا وأعرضوا عن المولى ، فلما ماتوا بقوا محرومين عن معشوقهم الذي هو الدنيا وبقوا محرومين من الفوز بسعادة خدمة المولى.
والنوع الثالث من عقوباتهم ما ذكره بقوله تعالى : (وَمَأْواهُمْ ،) أي : مرجعهم (جَهَنَّمُ) وذلك لأنهم كانوا غافلين عن الاشتغال بخدمة المولى عاشقين للذات الدنيا ، فإذا ماتوا فارقوا معشوقهم ، فيحترقون على مفارقتها ، وليس عندهم شيء آخر يجبر هذه المصيبة ، فلذلك كان مأواهم جهنم. ثم إنه تعالى وصف هذا المأوى بقوله عز من قائل : (وَبِئْسَ الْمِهادُ ،) أي : الفراش ، والمخصوص بالذم محذوف ، أي : جهنم. ونزل في حمزة وأبي جهل ، وقيل : في عمار وأبي جهل.
(أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٩) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (٢٠) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (٢١) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤) وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٢٥) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ (٢٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (٢٧) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩) كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (٣٠))
(أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ ،) أي : يؤمن به ويعمل بما فيه ، وهو حمزة أو عمار رضي الله تعالى عنهما. (كَمَنْ هُوَ أَعْمى ،) أي : أعمى البصيرة ولا يؤمن به ولا يعمل بما فيه وهو أبو جهل ، قال ابن الخازن في تفسيره : وحمل الآية على العموم أولى ، وإن كان السبب مخصوصا ، والمعنى : لا يستوي من يبصر الحق ويتبعه ومن هو لا يبصر الحق ولا يتبعه ، وإنما شبه الكافر والجاهل بالأعمى ؛ لأنّ الأعمى لا يهتدي لرشد (إِنَّما يَتَذَكَّرُ ،) أي : يتعظ (أُولُوا الْأَلْبابِ) أي : أصحاب العقول الذين يطلبون من كل صورة معناها ، ويأخذون من كل قشرة لبابها ، ويعبرون من ظاهر كل حديث إلى سره ولبابه.
(الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ ،) أي : ما عاقدوه على أنفسهم من الاعتراف بربوبيته حين قالوا : بلى ، أو ما عهد الله تعالى عليهم في كتبه. (وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ ،) أي : ما واثقوه من المواثيق بينهم وبين الله تعالى ، وبينهم وبين العباد ، فهو تعميم بعد تخصيص.
(وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ،) أي : من الإيمان والرحم وغير ذلك ، والأكثرون على أنه أراد به صلة الرحم. عن أبي موسى أنّ عبد الرحمن بن عوف عاد أبا الدرداء فقال عبد الرحمن : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : فيما يحكي عن ربه تعالى : «أنا الرحمن وهي الرحم شققت