بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها وابتغ بين ذلك سبيلا ، بأن تجهر بصلاة الليل وتخافت بصلاة النهار ، وقيل إنّ المراد بالصلاة الدعاء ، وهذا قول عائشة رضي الله تعالى عنها وأبي هريرة ومجاهد ، قالت عائشة : هي الدعاء. وروي هذا مرفوعا أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال في هذه الآية : «إنما ذلك في الدعاء والمسألة» (١). قال عبد الله بن شدّاد كان أعراب من بني تميم إذا سلم النبيّ صلىاللهعليهوسلم قالوا : اللهمّ ارزقنا مالا وولدا يجهرون فأنزل الله تعالى هذه ، والمخافتة خفض الصوت والسكون يقال : صوت خفيف ، أي : خفيض ، ويقال للرجل إذا مات قد خفت ، أي : انقطع كلامه وخفت الزرع إذا ذبل والمستحب من ذلك التوسط وهو أن يسمع نفسه كما روي عن ابن مسعود أنه قال : من لم يخافت لم يسمع أذنيه وقد مدح الله تعالى المؤمنين بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) [الفرقان ، ٦٧] وأمر الله تعالى رسوله صلىاللهعليهوسلم بذلك فقال عز من قائل : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) [الإسراء ، ٢٩] وبعضهم قال الآية منسوخة بقوله تعالى : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) [الأعراف ، ٥٥]. قال الرازي : وهو بعيد.
ولما أمر الله تعالى أنه لا يذكر ولا ينادى إلا بأسمائه الحسنى علم كيفية التحميد بقوله تعالى : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ،) أي : الملك الأعظم ثم ذكر سبحانه وتعالى من صفات التنزيه والجلال وهي السلوب ثلاثة أنواع الأوّل قوله تعالى : (الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ ،) أي : لكونه محيطا بالصفات الحسنى (وَلَداً) والسبب فيه وجوه الأوّل أنّ الولد هو الشيء المتولد من جزء من أجزاء ذلك الشيء فكل من له ولد فهو مركب من الأجزاء والمركب محدث والمحدث محتاج والمحتاج لا يقدر على كمال الإنعام فلا يستحق كمال الحمد. الثاني : أنّ كل من له ولد فإنه يمسك جميع النعم لولده فإذا لم يكن له ولد أفاض تلك النعم على عبيده. الثالث : أنّ الولد هو الذي يقوم مقام الوالد بعد انقضائه وفنائه فلو كان له ولد لكان منقضيا ومن كان كذلك لم يقدر على كمال الإنعام في كل الأوقات ، فوجب أن لا يستحق الحمد على الإطلاق. النوع الثاني : من الصفات السلبية قوله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ) بوجه من الوجوه (شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) والسبب في اعتبار هذه الصفة أنه لو كان له شريك لم يعرف حينئذ أنّ هذه النعم والمنافع حصلت منه أو من شريكه فلا يعرف كونه مستحقا للحمد والشكر. النوع الثالث قوله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ ،) أي : ولم يواله من أجل مذلة به يدفعها بموالاته والسبب في اعتباره أنه لو جاز عليه وليّ يلي أمره كان مستوجبا لأعظم أنواع الحمد ومستحقا لأقسام الشكر فنفى عنه أن يكون له ما يشاركه من جنسه ومن غير جنسه اختيارا أو اضطرارا أو ما يعاونه ويقويه ورتب الحمد عليه للدلالة على أنه الذي يستحق جنس الحمد لأنه كامل الذات المنفرد بالإيجاد المنعم على الإطلاق وما عداه ناقص مملوك نعمة أو منعم عليه ولذلك عطف عليه قوله تعالى : (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ،) أي : وعظمه تعظيما على نفي اتخاذ الولد والشريك والذل وكل ما لا يليق به وترتيب الحمد على ذلك للدلالة على أنه المستحق لجميع المحامد لكمال ذاته وتفرّده في صفاته.
روى الإمام أحمد في مسنده عن معاذ الجهني عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه كان يقول : «آية العز (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) إلى آخر السورة (٢)». وعن ابن
__________________
(١) أخرجه الطبري في تفسيره ١٥ / ١٨٤.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ٤٣٩ ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٥ / ١٣٣.