الآية» وعن ابن عباس أنّ ذكر الرحمن كان في القرآن قليلا في أوّل ما أنزل وكان الذين قد أسلموا من اليهود يسوءهم قلة ذلك لكثرته في التوراة كابن سلام وابن يامين وابن صوريا وغيرهم ، فسألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذلك فنزل قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ ،) فقال قريش : ما بال محمد كان يدعو إلها واحدا وهو الآن يدعو إلهين ما نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة فنزل (وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ) [الأنبياء ، ٣٦] ، ونزل أيضا قوله تعالى : (قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) [الفرقان ، ٦٠] ، وفرح مؤمنو أهل الكتاب وهو قوله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ ،) أي : مشركي قريش (مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) [الرعد ، ٣٦]. وعن ابن عباس «سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قول الله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) إلى آخر الآية فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هو أمان من السرقة ، فإنّ رجلا من المهاجرين تلاها حين أخذ مضجعه فدخل عليه سارق فجمع ما في البيت وحمله والرجل ليس بنائم حتى انتهى إلى الباب فوجد الباب مردودا فوضع الكارة ففعل ذلك ثلاث مرّات فضحك صاحب الدار فقال : إني أحصن بيتي». فإن قيل : إذا قال الرجل ادع زيدا أو عمرا فهم منه كون زيد مغايرا لعمرو فيوهم كون الله تعالى غير الرحمن وحينئذ تقوى شبهة أبي جهل لعنه الله تعالى؟ أجيب : بأنّ الدعاء هنا بمعنى التسمية لا بمعنى النداء والتسمية تتعدّى إلى مفعولين يقال دعوته زيدا ثم يترك أحدهما استغناء عنه فيقال دعوت زيدا والله والرحمن المراد بهما الاسم لا المسمى وأو للتخيير فمعنى الآية ادعوا باسم الله أو ادعوا باسم الرحمن ، أي : اذكروه بهذا الاسم أو اذكروه بذلك الاسم فقوله ادعوا الله ينبه على ملزم في كرمه بحكم الوعد من إفاضة الرحمة والكرم ، وأيضا تخصيص هذين الاسمين بالذكر يدل على على أنهما أشرف من سائر الأسماء وتقديم اسم الله على اسم الرحمن يدل على أنّ قولنا الله أعظم الأسماء وتقدّم الكلام على ذلك في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم والتنوين في قوله تعالى : (أَيًّا ما تَدْعُوا) عوض عن المضاف إليه وما صلة للأبهام المؤكد والمعنى أيا تدعوا فهو حسن فوضع موضعه قوله تعالى : (فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) لأنه إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الاسمان لأنهما منها ومعنى كونها أحسن الأسماء أنها مستقلة بمعاني التمجيد والتقديس والتعظيم وقد قدّمنا ذكر الأسماء الحسنى في الأعراف عند قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) [الأعراف ، ١٨٠] وبعض الأحاديث الواردة في فضلها فليراجع ، ووقف حمزة والكسائيّ على الألف بعد الياء ووقف الباقون على الألف بعد الميم ، واختلف في تفسير ونزول قوله تعالى : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) فروى ابن عباس أنه صلىاللهعليهوسلم كان يرفع صوته بالقراءة فإذا سمعه المشركون سبوه وسبوا من جاء به فأوحى الله تعالى إليه (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) فيسمعه المشركون فيسبوا الله تعالى عدوا بغير علم (وَلا تُخافِتْ بِها) فلا تسمع أصحابك (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) وروي «أنه صلىاللهعليهوسلم طاف بالليل على دور الصحابة فكان أبو بكر رضي الله تعالى عنه يخفي صوته بالقراءة في صلاته وكان عمر يرفع صوته ، فلما جاء النهار وجاء أبو بكر وعمر فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأبي بكر : لم تخفي صوتك فقال : أناجي ربي وقد علم حاجتي ، وقال لعمر : لم ترفع صوتك؟ فقال : أزجر الشيطان وأوقظ الوسنان فأمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم أبا بكر أن يرفع صوته قليلا وعمر أن يخفض صوته قليلا» (١). وقيل معناه ولا تجهر
__________________
(١) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان ٢ / ٤٣٠.