فضل وأصاب الناس شدّة فجاءتني امرأة تطلب مني معروفا فقلت : والله ما هو دون نفسك فأبت وعادت ثم رجعت ثلاثا ثم ذكرت ذلك لزوجها فقال : أجيبي له وأعيني عيالك فأتت وسلمت إليّ نفسها فلما كشفتها وهممت بها ارتعدت فقلت لها : ما لك؟ فقالت : أخاف الله تعالى : فقلت لها : خفتيه في الشدّة ولم أخفه في الرخاء فتركتها وأعطيتها ملتمسها اللهمّ إن كنت فعلته لوجهك فافرج عنا فانصدع حتى تعارفوا. وقال الثالث : كان لي أبوان هرمان وكان لي غنم وكنت أطعمهما وأسقيهما ثم أرجع إلى غنمي فحبسني ذات يوم غيم فلم أرجع حتى أمسيت فأتيت أهلي وأخذت محلبي فحلبت فيه ومضيت إليهما فوجدتهما نائمين فشقّ عليّ أنّ أوقظهما فوقفت حابسا محلبي على يديّ حتى أيقظهما الصبح فسقيتهما اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك الكريم فافرج عنا ففرج الله عنهم فخرجوا وقد رفع ذلك النعمان بن بشير وقد قدّمنا سبب نزول قصة أصحاب الكهف عند قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) [الإسراء ، ٨٥].
وذكر محمد بن إسحاق سبب نزول هذه القصة مشروحا فقال : كان النضر بن الحارث من شياطين قريش ، وكان يؤذي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وينصب له العداوة ، وكان قد قدم الحيرة وتعلم بها أحاديث رستم واسفنديار ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا جلس مجلسا ذكر فيه الله تعالى وحذر قومه ما أصاب من كان قبلهم من الأمم ، وكان النضر يخلفه في مجلسه إذا قام وقال : أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثا منه فهلموا فأنا أحدثكم بأحسن من حديثه ثم يحدّثهم عن ملوك فارس ثم قال : إنّ قريشا بعثوه وبعثوا معه عقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة وقالوا لهما : سلاهم عن محمد وصفته فإنهم أهل الكتاب الأوّل وعندهم من العلم ما ليس عندنا من علم الأنبياء فخرجا حتى قدما المدينة فسألا أحبار اليهود عن أحوال محمد فقال لهم اليهود : سلوه عن ثلاثة ؛ عن فتية ذهبوا في الدهر الأوّل فإن حديثهم عجيب. وعن رجل طوّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها. وسلوه عن الروح وما هي فإن أخبركم فهو نبيّ وإلا فهو متقول ، فلما قدم النضر وصاحبه مكة قالا : قد جئناكم بفصل ما بيننا وبين محمد وأخبراهم بما قالته اليهود ، فجاؤوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وسألوه فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أخبركم بما سألتم عنه غدا» ، ولم يستثن فانصرفوا عنه فمكث رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما يذكرون خمس عشرة ليلة لم ينزل عليه وحي وشق عليه ذلك ثم جاءه جبريل من عند الله بسورة أهل الكهف وفيها معاتبة الله تعالى إياه على جراءته عليهم وفيها خبر أولئك الفتية وخبر الرجل الطوّاف.
ثم بدأ بالفتية فقال : (إِذْ ،) أي : واذكر إذ (أَوَى الْفِتْيَةُ) وهم أصحاب الكهف المسؤول عنهم. جمع فتى ، وهو الشاب الكامل والشباب أقبل إلى الحق وأهدى للسبيل من الشيوخ (إِلَى الْكَهْفِ) خائفين على إيمانهم من قومهم الكفار واختلفوا في سبب مصيرهم إلى الكهف ، فقال محمد بن إسحاق بن يسار : مرج أهل الإنجيل وكثرت فيهم الخطايا وطغت فيهم الملوك حتى عبدوا الأصنام وذبحوا للطواغيت وفيهم بقايا على دين المسيح متمسكين بعبادة الله وتوحيده وكان ممن فعل ذلك من ملوكهم ملك من الروم يقال له : دقيانوس عبد الأصنام وذبح للطواغيت وقتل من خالفه وكان ينزل قرى الروم فلا يترك في قرية نزلها أحد إلا فتنه عن دينه حتى يعبد الأصنام أو يقتله ثم نزل مدينة أهل الكهف وهي أفسوس فلما نزل بها كبر على أهل الإيمان فاستخفوا منه وهربوا في كل وجه واتخذ شرطا من الكفار وأمرهم أن يتبعوهم في أماكنهم ويخرجوهم إليه فيخيروهم بين