عبادة الأصنام (فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وذلك لأنه كان يدعو الناس إلى عبادة الطواغيت فثبت الله تعالى هؤلاء الفتية حتى عصوا ذلك الجبار وأقروا بربوبية الله تعالى وصرحوا بالبراءة من الشرك والأنداد بقولهم : (لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً) لأنّ ما سواه عاجز والله (لَقَدْ قُلْنا إِذاً ،) أي : إذا دعونا من دونه غيره (شَطَطاً ،) أي : قولا ذا بعد عن الحق جدا. وقال مجاهد : كانوا أبناء عظماء مدينتهم فخرجوا فاجتمعوا وراء المدينة من غير ميعاد فقال رجل منهم هو أكبر القوم : إني لأجد في نفسي شيئا ما أظن أنّ أحدا يجده قالوا : ما تجد؟ قال : أجد في نفسي أنّ ربي رب السموات والأرض. قالوا : نحن كذلك في أنفسنا فقاموا جميعا فقالوا : (رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.) وقال عطاء : قالوا ذلك عند قيامهم من النوم. قال الرازي : وهو بعيد لأنّ الله تعالى استأنف قصتهم بقوله تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ.)
وقال عبيد بن عمير : كان أصحاب الكهف فتيانا مطوّقين مسورين ذوي ذوائب ، وكان معهم كلب صيدهم فخرجوا في عيد لهم عظيم في زيّ وموكب وأخرجوا معهم آلهتهم التي يعبدونها وقد قذف الله تعالى في قلوب الفتية الإيمان ، وكان أحدهم وزير الملك فآمنوا وأخفى كل واحد إيمانه فقالوا في أنفسهم : نخرج من بين أظهر هؤلاء القوم لا يصيبنا عقاب بجرمهم فخرج شاب منهم حتى انتهى إلى ظل شجرة فجلس فيه ثم خرج آخر فرآه جالسا وحده فرجا أن يكون على مثل أمره من غير أن يظهر ذلك ثم خرج آخر فخرجوا كلهم جميعا فاجتمعوا فقال بعضهم لبعض : ما جمعكم وكل واحد يكتم صاحبه مخافة على نفسه ثم قالوا : ليخرج كل فتيين فيخلوا ثم يفشي كل واحد سرّه إلى صاحبه ففعلوا فإذا هم جميعا على الإيمان ، وإذا بكهف في الجبل قريب منهم فقال بعضهم لبعض :
(هؤُلاءِ قَوْمُنَا) وإن كانوا أسنّ منا وأقوى وأجل في الدنيا (اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) أشركوهم معه تعالى لشبهة واهية (لَوْ لا ،) أي : هلا (يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ ،) أي : دليل (بَيِّنٍ ،) أي : ظاهر مثل ما نأتي نحن على تقرير معبودنا بالأدلة الظاهرة فتسبب عن عجزهم عن دليل أنهم أظلم الظالمين فلذلك قالوا : (فَمَنْ أَظْلَمُ ،) أي : لا أحد أظلم (مِمَّنِ افْتَرى ،) أي : تعمد (عَلَى اللهِ ،) أي : الملك الأعظم (كَذِباً) بنسبة الشريك إليه تعالى.
ثم قال بعض الفتية لبعض : (وَإِذِ ،) أي : وحين (اعْتَزَلْتُمُوهُمْ ،) أي : قومكم (وَما يَعْبُدُونَ ،) أي : واعتزلتم معبودهم وقولهم : (إِلَّا اللهَ) يجوز أن يكون استثناء منه متصلا على ما روي أنهم كانوا يقرّون بالخالق ويشركون معه كما كان أهل مكة ، وأن يكون منقطعا وقيل : هو كلام معترض إخبار من الله تعالى عن الفتية بأنهم لم يعبدوا غير الله تعالى (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ ،) أي : الغار الذي في الجبل (يَنْشُرْ ،) أي : يبسط (لَكُمْ) ويوسع عليكم (رَبُّكُمْ ،) أي : المحسن إليكم (مِنْ رَحْمَتِهِ) ما يكفيكم به المهم من أمركم في الدارين (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ ،) أي : الذي من شأنه أن يهمكم (مِرْفَقاً ،) أي : ما ترتفقون به وتنتفعون وجزمهم بذلك لخلوص نيتهم وقوّة وثوقهم بفضل الله. وقرأ نافع وابن عامر بفتح الميم وكسر الفاء والباقون بكسر الميم وفتح الفاء. قال الفراء : وهما لغتان واشتقاقهما من الارتفاق ، وكان الكسائي لا يذكر في مرفق الإنسان الذي في اليد إلا كسر الميم وفتح الفاء ، والفراء يجيزه في الأمر وفي اليد. وقيل : هما لغتان إلا أنّ الفتح أقيس والكسر أكثر.