والخطاب في قوله تعالى : (وَتَرَى الشَّمْسَ) للنبيّ صلىاللهعليهوسلم أو لكل أحد وليس المراد أنّ من خوطب بهذا يرى هذا المعنى ولكن العادة في المخاطبة تكون على هذا النحو ومعناه : أنك لو رأيته على هذه الصورة (إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ ،) أي : تميل (عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ ،) أي : ناحيته (وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ،) أي : تعدل في سيرها عنهم (ذاتَ الشِّمالِ ،) أي : فلا يقع شعاعها عليهم فيؤذيهم لأنّ الله تعالى زواها عنهم. وقيل : إنّ باب ذلك الكهف كان مفتوحا إلى جانب الشمال فإذا طلعت الشمس كانت على يمين الكهف وإذا غربت كانت على شماله. وقرأ السوسي بإمالة ألف ترى المنقلبة بعد الراء في الأصل بخلاف عنه ، والباقون بالفتح في الوصل وهم على أصولهم في الوقف وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالإمالة محضة ، وورش بين اللفظين ، والباقون بالفتح ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وتتزاور بتشديد الزاي وتخفيف الراء مضمومة ، وابن عامر بسكون الزاي ولا ألف بعدها وتشديد الواو على وزن تحمرّ ، والباقون وهم عاصم وحمزة والكسائي بتخفيف الزاي والواو ولا خلاف في ضم الراء.
ولما بين أنه تعالى حفظهم من حرّ الشمس بيّن أنه أنعشهم بروح الهواء وألطفهم بسعة الموضع في فضاء الغار فقال تعالى : (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ،) أي : في وسط الكهف ومتسعه ينالهم برد الريح ونسيمها ، ثم بيّن تعالى نتيجة هذا الأمر الغريب في النبأ العجيب بقوله تعالى : (ذلِكَ ،) أي : المذكور العظيم (مِنْ آياتِ اللهِ ،) أي : دلائل قدرته (مَنْ يَهْدِ اللهُ ،) أي : الذي له الملك كله يخلق هذه الهداية في قلبه كأصحاب الكهف (فَهُوَ الْمُهْتَدِ) في أيّ زمان كان فلن تجد له مضلا مغويا ففي ذلك إشارة إلى أنّ أهل الكهف جاهدوا في الله وأسلموا له وجوههم فلطف بهم وأعانهم وأرشدهم إلى نيل تلك الكرامة السنية والاختصاص بالآية العظيمة ، وأنّ كل من سلك طريق المهتدين الراشدين فهو الذي أصاب الفلاح واهتدى إلى السعادة ، وقرأ نافع وأبو عمرو بزيادة ياء بعد الدال في الوصل دون الوقف والباقون بحذفها وقفا ووصلا. (وَمَنْ يُضْلِلْ ،) أي : يضله الله تعالى ولم يرشده كدقيانوس وأصحابه (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا ،) أي : معينا (مُرْشِداً ،) أي : يرشده للحق.
ثم إنه تعالى عطف على ما مضى بقية أمرهم بقوله تعالى : (وَتَحْسَبُهُمْ ،) أي : لو رأيتهم أيها المخاطب (أَيْقاظاً) أي : منتبهين لأنّ أعينهم مفتحة للهواء لأنه يكون أبقى لها ، جمع يقظ بكسر القاف (وَهُمْ رُقُودٌ) أي : نيام جمع راقد قال الزجاج : لكثرة تقلبهم يظنّ أنهم أيقاظ والدليل عليه قوله تعالى : (وَنُقَلِّبُهُمْ) أي : في ذلك حال نومهم تقلبا كثيرا بحسب ما ينفعهم كما يكون النائم (ذاتَ) أي : في الجهة التي هي صاحبة (الْيَمِينِ) منهم (وَذاتَ الشِّمالِ) لينال روح النسيم جميع أبدانهم ولا يتأثر ما يلي الأرض منها بطول المكث.
تنبيه : اختلف في مقدار مدّة التقليب ، فعن أبي هريرة أنّ لهم في كل عام تقليبتين. وعن مجاهد يمكثون رقودا على أيمانهم تسع سنين ثم ينقلبون على شمائلهم فيمكثون رقودا تسع سنين ، وقيل : لهم تقليبة واحدة يوم عاشوراء. قال الرازي : وهذه التقديرات لا سبيل للعقل إليها ولفظ القرآن لا يدل عليها وما جاء فيه خبر صحيح فكيف يعرف انتهى. ولهذا قلت بحسب ما ينفعهم. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : فائدة تقلبهم لئلا تأكل الأرض لحومهم ولا ثيابهم اه. قال الرازي : وهذا أعجب من ذلك لأنه تعالى لما قدر على أن يمسك حياتهم ثلاثمائة سنة وأكثر