أفلا يقدر على حفظ أجسادهم من غير تقليب اه. وهذا ليس بعجيب لأنّ القدرة صالحة لذلك وأكثر بحسب العادة ، وأمّا إمساك أرواحهم فهو خرق للعادة فلا يقاس عليه. (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ) أي : يديه ، أي : ملقيهما على الأرض مبسوطتين غير مقبوضتين ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم : «اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب» (١).
وقال المفسرون : كان الكلب قد بسط ذراعيه وجعل وجهه عليهما.
تنبيه : باسط اسم فاعل ماض وإنما عمل على حكاية الحال والكسائيّ يعمله ويستشهد بالآية الكريمة وأكثر المفسرين على أنّ الكلب من جنس الكلاب. وروي عن ابن جريج أنه كان أسدا ويسمى الأسد كلبا فإنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم دعا على عتبة بن أبي لهب فقال : «اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فافترسه الأسد» (٢). وقال ابن عباس : كان كلبا أغرّ واسمه قطمير ، وعن عليّ اسمه ريان واختلف في قوله تعالى : (بِالْوَصِيدِ) فقال ابن عباس : هو باب الكهف ، وقيل : العتبة. قال السدي : والكهف لا يكون له باب ولا عتبة ، وإنما أراد موضع الباب والعتبة. وقال الزجاج : الوصيد فناء البيت وفناء الدار ، قال الشاعر (٣) :
بأرض فضاء لا يسدّ وصيدها |
|
عليّ ومعروفي بها غير منكر |
وقال مجاهد والضحاك : الوصيد الكهف. (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ) بكسر الواو على أصل التقاء الساكنين ، أي : وهم على تلك الحالة (لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ) حال وقوع بصرك عليهم (فِراراً) لما ألبسهم الله تعالى من الهيبة وجعل لهم من الجلالة تدبيرا منه لما أراد منهم حتى لا يصل إليهم أحد حتى يبلغ الكتاب أجله. (وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) أي : فزعا ، واختلف في ذلك الرعب كان لماذا؟ فقال الكلبيّ : لأنّ أعينهم مفتتحة كالمستيقظ الذي يريد أن يتكلم وهم نيام ، وقيل من وحشة الكلام ، وقيل : لكثرة شعورهم وطول أظفارهم وتقلبهم من غير حس كالمستيقظ ، وقيل : إنّ الله تعالى منعهم بالرعب حتى لا يراهم أحد.
وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : غزونا مع معاوية نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف فقال معاوية : لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال ابن عباس : قد منع ذلك من هو خير منك (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً ،) فبعث معاوية ناسا فقال : اذهبوا فانظروا فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحا فأخرجتهم. وقرأ نافع وابن كثير بتشديد اللام بعد الميم ، والباقون بتخفيفها والسوسي بإبدال الهمزة ياء على أصله وقفا ووصلا وحمزة في الوقف فقط. وقرأ ابن عامر والكسائي رعبا بضم العين والباقون بسكونها.
(وَكَذلِكَ ،) أي : كما فعلنا بهم ما ذكرنا آية (بَعَثْناهُمْ ،) أي : أيقظناهم آية (لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ ،) أي : ليسأل بعضهم بعضا عن أحوالهم في نومهم ويقظتهم فيتعرّفوا حالهم وما صنع الله
__________________
(١) أخرجه البخاري في الأذان حديث ٨٢٢ ، ومسلم في الصلاة حديث ٤٩٣ ، والنسائي في التطبيق حديث ١١١٠.
(٢) أخرجه القاضي عياض في الشفاء ١ / ٦٣٢ ، وابن حجر في فتح الباري ٤ / ٣٩ ، والقرطبي في تفسيره ١٧ / ٨٢ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٥ / ٢١١.
(٣) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في تاج العروس (فضل).