عهد الله إليه أن يؤتيه ذلك وعن الحسن رحمهالله تعالى نزلت في الوليد بن المغيرة والمشهور أنها في العاص بن وائل قال خباب بن الأرت : كان لي عليه دين فاقتضيته فقال : لا والله حتى تكفر بمحمد فقلت : لا والله لا أكفر بمحمد حيا ولا ميتا ولا حين تبعث قال : فإني إذا مت بعثت قلت : نعم قال : إذا بعثت جئني وسيكون لي ثمّ مال وولد فأعطيك وقيل : صاغ له خباب حليا فاقتضاه الأجر فقال : إنكم تزعمون أنكم تبعثون وأنّ في الجنة ذهبا وفضة وحريرا فأنا أقضيك ثم فإني أوتى مالا وولدا فأعطيك حينئذ.
ثم إنه سبحانه وتعالى بيّن من حاله ضدّ ما ادعاه فقال تعالى : (كَلَّا) وهي كلمة ردع وتنبيه على الخطأ أي : هو مخطئ فيما يقول ويتمناه (سَنَكْتُبُ) أي : نحفظ عليه (ما يَقُولُ) فنجازيه به في الآخرة وقيل : نأمر الملائكة حتى يكتبوا عليه ما يقول (وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا) أي : نزيده بذلك عذابا فوق عذاب كفره وقيل : نطيل مدّة عذابه.
(وَنَرِثُهُ) بموته (ما يَقُولُ) أي : ما عنده من المال والولد (وَيَأْتِينا) يوم القيامة (فَرْداً) لا يصحبه مال ولا ولد كان له في الدنيا فضلا أن يؤتى ثمّ زائدا قال تعالى : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى) [الأنعام ، ٩٤] وقيل : فردا رافضا لهذا القول منفردا عنه.
ولما تكلم سبحانه وتعالى في مسألة الحشر والنشر تكلم الآن في الردّ على عباد الأصنام فقال : (وَاتَّخَذُوا) أي : كفار قريش (مِنْ دُونِ اللهِ) أي : الأوثان (آلِهَةً) يعبدونها (لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) أي : منفعة بحيث يكونون لهم شفعاء وأنصارا ينقذونهم من الهلاك ثم أجاب تعالى بقوله تعالى : (كَلَّا) ردع وإنكار لتعززهم بها (سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ) أي : تستجحد الآلهة عبادتهم ويقولون : ما عبدتمونا كقوله تعالى : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) [البقرة ، ١٦٦] وفي آية أخرى : (ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) [القصص ، ٦٣] وقيل : أراد بذلك الملائكة لأنهم كانوا يكفرون بعبادتهم ويتبرؤون منهم ويخصمونهم وهو المراد من قوله تعالى : (أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) [سبأ ، ٤٠] وقيل : إنّ الله تعالى يحيي الأصنام يوم القيامة حتى يوبخوا عبادهم ويتبرؤوا منهم فيكون ذلك أعظم لحسرتهم ويجوز أن يراد الملائكة والأصنام (وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) أي : أعوانا وأعداء.
فإن قيل : لم وحده وهو خبر عن جمع؟ أجيب : بأنه إما مصدر في الأصل والمصادر موحدة مذكرة وإما لأنه مفرد في معنى الجمع قال الزمخشري : والضدّ العون وحد توحيد قوله عليه الصلاة والسّلام : «وهم يد على من سواهم لاتفاق كلمتهم وإنهم كشيء واحد لفرط تضامّهم وتوافقهم» (١) انتهى. والحديث رواه أبو داوود وغيره والشاهد فيه قوله يد حيث لم يقل : أيد. ولما ذكر تعالى ما لهؤلاء الكفار مع آلهتهم في الآخرة ذكر بعده ما لهم مع الشياطين في الدنيا وأنهم يتولونهم وينقادون إليهم فقال تعالى مخاطبا لنبيه صلىاللهعليهوسلم.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (٨٤) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (٨٦) لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الجهاد حديث ٢٧٥١ ، والنسائي في القسامة حديث ٤٧٤٥ ، وابن ماجه في الديات حديث ٢٦٨٣.