عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٨٧) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (٨٩) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (٩٣) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (٩٨))
(أَلَمْ تَرَ) أي : تنظر (أَنَّا أَرْسَلْنَا) أي : سلطنا (الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) الأز والهز والاستفزاز أخوات ومعناها التهييج وشدّة الإزعاج أن تغريهم على المعاصي وتهيجهم لها بالوساوس والتسويلات.
(فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ) أي : تطلب عقوبتهم بأن يهلكوا ويبيدوا حتى تستريح أنت والمسلمون من شرورهم (إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) أي : ليس بينك وبين ما تطلب من هلاكهم إلا أيام محصورة وأنفاس معدودة ، ونظيره قوله تعالى : (وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ) [الأحقاف ، ٣٥] وعن ابن عباس كان إذا قرأها بكى وقال : آخر العدد خروج نفسك آخر العدد دخول قبرك آخر العدد فراق أهلك.
وعن ابن السماك أنه كان عند المأمون فقرأها فقال : إذا كانت الأنفاس بالعدد ولم يكن لها مدد فما أسرع ما تنفد ، وقيل : نعدّ أنفاسهم وأعمالهم فنجازيهم على قليلها وكثيرها ، وقيل : نعدّ الأوقات إلى وقت الأجل المعين لكل أحد الذي لا يتطرق إليه الزيادة والنقصان.
ثم بيّن تعالى ما سيظهر في ذلك اليوم من الفصل بين المتقين والمجرمين في كيفية الحشر فقال : (يَوْمَ) أي : واذكر يوم (نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ) بإيمانهم (إِلَى الرَّحْمنِ) أي : إلى محل كرامته وقوله تعالى : (وَفْداً) حال أي : وافدين عليه كما يفد الوفاد على الملوك منتظرين لكرامتهم وإنعامهم والوفد الجماعة الوافدون يقال : وفد يفد وفدا ووفودا ووفادة أي : قدم على سبيل التكرمة فهو في الأصل مصدر ثم أطلق على الأشخاص كالصف ، وقال أبو البقاء : وفد جمع وافد مثل ركب وراكب وصحب وصاحب وهذا الذي قاله ليس بمذهب سيبويه لأنّ فاعلا لا يجمع على فعل عند سيبويه وأجازه الأخفش وجرى عليه الجلال المحلي فقال : وفد جمع وافد بمعنى راكب انتهى.
وقال ابن عباس : وفدا ركبانا ، وقال أبو هريرة : على الإبل وقال عليّ رضي الله تعالى عنه : والله ما يحشرون على أرجلهم ولكن فوق نوق رحالها الذهب ونجائب سروجها يواقيت إن هموا بها سارت وإن هموا بها طارت.
(وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ) بكفرهم (إِلى جَهَنَّمَ) وقوله تعالى : (وِرْداً) حال أي : مشاة بإهانة واستخفاف كأنهم نعم عطاش تساق إلى الماء وقيل : عطاش قد تقطعت أعناقهم من شدّة العطش لأنّ من يرد الماء لا يرد إلا بعطش وحقيقة الورد المسير إلى الماء وقوله تعالى : (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ) الضمير فيه للعباد المدلول عليهم بذكر المتقين والمجرمين وقيل : للمتقين وقيل : للمجرمين وقوله تعالى : (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) استثناء متصل على القولين الأوّلين ،