خامسها : الطاء من الطهارة والهاء من الهداية فكأنه قيل : يا طاهرا من الذنوب يا هاديا إلى علام الغيوب.
سادسها : الطاء طول القراءة والهاء هيبتهم في قلوب الكفار قال تعالى : (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) [آل عمران ، ١٥١].
سابعها : الطاء بتسعة في الحساب والهاء بخمسة تكون أربعة عشر ومعناها يا أيها البدر وأمّا على القول الثاني فقيل : معنى طه يا رجل وهو يروى عن ابن عباس والحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وعكرمة والكلبي ، ثم قال سعيد بن جبير بالنبطية ، وقال قتادة بالسريانية وقال عكرمة بالحبشية وقال الكلبي بلغة عك وهو بتشديد الكاف ابن عدنان أخو معد ، وحكى الكلبي أنك لو قلت في عك يا رجل لم تجب حتى تقول طه ، وقال السدّي : معناه يا فلان وقيل : إنه صلىاللهعليهوسلم كان يقوم في تهجده على إحدى رجليه فؤمر أن يطأ الأرض بقدميه معا.
وقال الكلبيّ : لما نزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم الوحي بمكة اجتهد في العبادة حتى كان يراوح بين قدميه في الصلاة لطول قيامه وكان يصلي الليل كله فأنزل الله عليه هذه الآية وأمره أن يخفف على نفسه فقال تعالى : (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) أي : لتتعب بما فعلت بعد نزوله من طول قيامك بصلاة الليل أي : خفف عن نفسك فقد ورد أنه صلىاللهعليهوسلم صلىّ الليل حتى تورمت قدماه فقال له جبريل : ابق على نفسك فإنّ لها عليك حقا ما أنزلناه لتهلك نفسك بالصلاة وتذيقها المشقة وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة وروي أنه كان إذا قام من الليل ربط صدره بحبل حتى لا ينام وقيل : لما رأى المشركون اجتهاده في العبادة قالوا : إنك لتشقى حيث تركت دين آبائك أي : لتتعنى وتتعب وما أنزل عليك القرآن يا محمد إلا لشقائك فنزلت ، وأصل الشقاء في اللغة العناء وقيل : المعنى أنك لا تلام على كفر قومك ، كقوله تعالى : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) [الغاشية ، ٢٢] وقوله تعالى : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) [الأنعام ، ١٠٧] أي : إنك لا تؤاخذ بذنبهم وقيل : إنّ هذه السورة من أوائل ما نزل بمكة وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ذلك الوقت مقهورا تحت ذل الأعداء فكأنه تعالى قال : لا تظنّ أنك تبقى أبدا على هذه الحالة بل يعلو أمرك ويظهر قدرك فإنا ما أنزلنا عليك القرآن لتبقى شقيا فيما بينهم بل لتصير معظما مكرّما. وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة وأبو عمرو بين بين وورش بين اللفظين والفتح عنده ضعيف جدّا ، وكذلك جميع رؤوس آي هذه السورة من ذوات الياء.
وقوله تعالى : (إِلَّا تَذْكِرَةً) استثناء منقطع أي : لكن أنزلناه تذكرة. قال الزمخشري : فإن قلت : هل يجوز أن يكون (تَذْكِرَةً) بدلا من محل (لِتَشْقى؟) قلت : لا لاختلاف الجنسين ولكنها نصب على الاستثناء المنقطع الذي إلا فيه بمعنى لكن (لِمَنْ يَخْشى) أي : لمن في قلبه خشية ورقة يتأثر بالإنذار أو لمن علم الله تعالى منه أن يخشى بالتخويف منه ، فإنه المنتفع به.
وقوله تعالى : (تَنْزِيلاً) بدل من اللفظ بفعله الناصب له (مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ) أي : من الله الذي خلق الأرض (وَالسَّماواتِ الْعُلى) أي : العالية الرفيعة التي لا يقدر على خلقها في عظمها غير الله تعالى والعلي جمع عليا كقولهم : كبرى وكبر وصغرى وصغر وقدّم الأرض على السموات لأنها أقرب إلى الجنس وأظهر عنده من السموات ثم أشار إلى وجه إحداث الكائنات وتدبير أمرها بأن قصد العرش وأجرى منه الأحكام والتقادير وأنزل منه الأسباب على ترتيب ومقادير حسبما اقتضته حكمته وتعلقت به مشيئته فقال تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ) وهو سرير الملك (اسْتَوى)