أي : استواء يليق به فإنه سبحانه وتعالى كان ولا عرش ولا مكان وإذا خلق الله الخلق لا يحتاج إلى مكان فهو بالصفة التي كان لم يزل عليها وتقدّم الكلام على ذلك في سورة الأعراف مستوفى فراجعه ، ثم استدل سبحانه وتعالى على كمال قدرته بقوله تعالى : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى) فهو مالك لما في السموات من ملك ونجم وغيرهما ومالك لما في الأرض من المعادن والفلوات ومالك لما بينهما من الهواء ومالك لما تحت الثرى وهو التراب الندي والمراد الأرضون السبع لأنها تحته وقال ابن عباس : إنّ الأرضين على ظهر النون والنون على بحر ورأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش والبحر على صخرة خضراء خضرة السماء منها وهي الصخرة التي ذكر الله تعالى في قصة لقمان (فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) [لقمان ، ١٦] والصخرة على قرن ثور والثور على الثرى وما تحت الثرى لا يعلمه إلا الله عزوجل وذلك الثور فاتح فاه فإذا جعل الله تعالى البحار بحرا واحدا سالت في جوف ذلك الثور فإذا وقعت في جوفه يبست. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بالإمالة وورش بين اللفظين وكذا جميع رؤوس آي السورة من ذوات الراء.
ولما كانت القدرة تابعة للإرادة وهي لا تنفك عن العلم عقب ذلك بإحاطة علمه تعالى بجليات الأمور وخفياتها على حدّ سواء فقال تعالى : (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ) أي : تعلن بالقول في ذكر أو دعاء فالله تعالى غنيّ عن الجهر به (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) قال الحسن : في السر ما أسرّ الرجل إلى غيره وأخفى من ذلك ما أسرّ في نفسه ، وعن ابن عباس (السِّرَّ) ما تسر في نفسك (وَأَخْفى) من السر ما يلقيه الله تعالى في قلبك من بعد ولا تعلم أنك ستحدث به نفسك لأنك تعلم ما تسر اليوم ولا تعلم ما تسر غدا والله يعلم ما أسررت اليوم وما تسر غدا ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : (السِّرَّ) ما أسر ابن آدم في نفسه (وَأَخْفى) ما خفي عليه مما هو فاعله قبل أن يعلمه ، وقال مجاهد : (السِّرَّ) العمل الذي يسر من الناس (وَأَخْفى) الوسوسة ، وقيل : (السِّرَّ) هو العزيمة (وَأَخْفى) ما يخطر على القلب ولم يعزم عليه ، وقال زيد بن أسلم : يعلم أسرار العباد وأخفى سره من عباده فلا يعلمه أحد.
ولما ذكر صفاته وحّد نفسه فقال تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) التسعة والتسعون الوارد بها الحديث والحسنى تأنيث الأحسن وفضل أسماء الله تعالى على سائر الأسماء في الحسن لدلالتها على معان هي أشرف المعاني وأفضلها.
روي أنّ لله تعالى أربعة آلاف اسم ألف لا يعلمها إلا هو وألف لا يعلمها إلا الله والملائكة وألف لا يعلمها إلا الله والملائكة والأنبياء وأما الألف الرابعة فالمؤمنون يعلمونها فثلاثمائة في التوراة وثلاثمائة في الإنجيل وثلاثمائة في الزبور ومائة في القرآن تسعة وتسعون منها ظاهرة وواحد مكنون من أحصاها دخل الجنة وذكر في لا إله إلا الله فضائل كثيرة أذكر بعضها وأسأل الله تعالى أن يجعلنا ومحبينا من أهلها.
روي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء أستغفر الله ثم تلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ»)(١).
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ الله تعالى خلق ملكا من الملائكة قبل أن يخلق السموات والأرض
__________________
(١) أخرجه الترمذي في الدعوات حديث ٣٣٨٣ ، وابن ماجه في الأدب حديث ٣٨٠٠.