على ذلك ، والباقون بفتح السين وألف بعدها وكسر الحاء على أنّ الإشارة للنبيّ صلىاللهعليهوسلم.
(إِنَّ رَبَّكُمُ) الموجد لكم والمربي والمحسن هو (اللهُ الَّذِي خَلَقَ) أي : قدّر وأوجد (السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) على اتساعهما ، وكثرة ما فيهما من المنافع (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) من أيام الدنيا ، أي : في قدرها ؛ لأنه لم يكن ثمّ شمس ، ولو شاء لخلقهما في لمحة ، والعدول عنه لتعليم خلقه التثبت. فإن قيل : إنّ اليوم قد يراد به اليوم مع ليلته ، وقد يراد به النهار وحده. فما المراد؟ أجيب : بأنّ الغالب في اللغة أنه مراد باليوم اليوم بليلته ، ولما أوجد سبحانه وتعالى هذا الخلق الكبير المتباعد الأقطار ، الواسع الانتشار ، المفتقر إلى عظيم التدبير ، ولطيف التصريف والتقدير ؛ عبّر سبحانه وتعالى عن عمله فيه عمل الملوك في ممالكهم بقوله مشيرا إلى عظمته بأداة التراخي : (ثُمَّ اسْتَوى) أي : عمل في تدبيره وإتقان ما فيه وإحكامه عمل المعتني بذلك. (عَلَى الْعَرْشِ) المتقدّم وصفه في الأعراف بالعظمة ، وليست ثم للترتيب ، بل كناية عن علوّ الرتبة ، وبعد منازلها ، ثم بيّن ذلك الاستواء بقوله : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) كله فلا يخفى عليه عاقبة أمر من الأمور ؛ لأنّ التدبير أعدل أحوال الملك ، فالاستواء كناية عنه. وقوله تعالى : (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) تقرير لعظمته جل وعلا ، وردّ على من زعم أنّ آلهتهم تشفع لهم عند الله. وفيه إثبات الشفاعة لمن أذن له (ذلِكُمُ اللهُ) أي : الموصوف بتلك الصفات المقتضية للألوهية والربوبية (رَبَّكُمُ) أي : الذي يستحق العبادة منكم. (فَاعْبُدُوهُ) أي : وحّدوه ولا تشركوا به بعض خلقه من ملك أو إنسان ، فضلا عن جماد لا يضرّ ولا ينفع ، فإنّ عبادتكم مع التشريك ليست عبادة ، ولو لا فضله لم يكن لمن زلّ أدنى زلة طاعة ، وقوله تعالى : (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) قرأه حفص وحمزة والكسائي بتخفيف الذال ، والباقون بالتشديد بإدغام التاء في الأصل في الذال ، أي : أفلا تتفكرون أدنى تفكر فينبئكم عن أنه المستحق للربوبية ، والعبادة لا ما تعبدونه.
(إِلَيْهِ) تعالى (مَرْجِعُكُمْ) أي : رجوعكم بالموت والنشور حالة كونكم (جَمِيعاً) لا يتخلف منكم أحد ، فاستعدّوا للقائه. وقوله تعالى : (وَعْدَ اللهِ) مصدر منصوب بفعله المقدّر مؤكد لنفسه ؛ لأن قوله تعالى : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) وعد من الله ، وقوله تعالى : (حَقًّا) أي : صدقا لا خلف فيه مصدر آخر منصوب بفعله المقدّر مؤكد لغيره ، وهو ما دل عليه وعد الله. (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) أي : يحييهم ابتداء. (ثُمَّ يُعِيدُهُ) أي : ثم يميتهم ثم يحييهم. وفي هذا دليل على الحشر والنشر والمعاد ، وصحة وقوعه ، وردّ على منكري البعث ووقوعه ؛ لأنّ القادر على خلق هذه الأجسام المؤلفة ، والأعضاء المركبة على غير مثال سبق ، قادر على إعادتها بعد تفريقها بالموت والبلى ، فيركب تلك الأجزاء المتفرقة تركيبا ثانيا ، ويخلق الإنسان الأوّل مرّة أخرى ، فإذا ثبت القول بصحة المعاد والبعث بعد الموت ؛ كان المقصود منه إيصال الثواب للمطيع ، والعقاب للعاصي ، وهو قوله تعالى : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ) أي : بالعدل ، لا ينقص من أجورهم شيئا. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ) وهو ماء حار قد انتهى حرّه (وَعَذابٌ أَلِيمٌ) أي : بالغ في الإيّلام. (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) أي : بسبب كفرهم.
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً) أي : ذات ضياء (وَالْقَمَرَ نُوراً) أي : ذا نور ، وخص الشمس بالضياء ؛ لأنها أقوى وآكد من النور ، وخص القمر بالنور ؛ لأنه أضعف من الضياء ، لأنّ الشمس نيرة في ذاتها ، القمر نير بعرض مقابلة الشمس والاكتساب منها. وقرأ قنبل بهمزة مفتوحة