ممدودة بعد الضاد ، والباقون بياء مفتوحة ، والضمير في قوله تعالى : (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) يرجع إلى الشمس والقمر ؛ ، أي : قدّر مسير كل واحد منهما منازل ، أو قدّره ذا منازل ، أو يرجع إلى القمر فقط ، وتخصيصه بالذكر لسرعة مسيره ومعاينة منازله ، وإناطة أحكام الشرع به ، ولذلك علله بقوله تعالى : (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) أي : حساب الأوقات من الأشهر والأيام في معاملاتكم وتصرّفاتكم ؛ لأنّ الشهور المعتبرة في الشريعة مبنية على رؤية الأهلة ، والسنة المعتبرة في الشريعة هي السنة القمرية ، كما قال تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ) [التوبة : ٣٦].
فائدة : منازل القمر ثمانية وعشرون منزلا ، وأسماؤها : السرطان ، والبطين ، والثريا ، والدبران ، والهقعة ، والهنعة ، والذراع ، والنثرة ، والطرف ، والجبهة ، والزبرة ، والصرفة ، والعوّا ، والسماك ، والغفر ، والزباني ، والإكليل ، والقلب ، والشولة ، والنعائم ، والبلدة ، وسعد الذابح ، وسعد بلع ، وسعد السعود ، وسعد الأخبية ، وفرغ الدلو المقدّم ، وفرغ الدلو المؤخر ، وبطن الحوت. وهذه المنازل مقسومة على البروج وهي اثنا عشر برجا : الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدي ، والدلو ، والحوت. فلكل برج منزلان وثلث ، فينزل القمر في كل ليلة منها منزلا ، فيستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين ، وإن كان تسعا وعشرين فليلة واحدة ، فيكون انقضاء الشهر مع نزوله تلك المنازل ويكون مقام الشمس في كل منزلة ثلاثة عشر يوما ، فيكون انقضاء السنة مع انقضائها ، وانتفاع الخلق بضوء الشمس ، وبنور القمر عظيم ، فالشمس سلطان النهار ، والقمر سلطان الليل ، وبحركة الشمس تنفصل السنة إلى هذه الفصول الأربعة ، وبالفصول الأربعة تنتظم مصالح هذا العالم ، وبسبب الحركة اليومية يحصل النهار والليل ، والنهار يكون زمانا للتكسب وللطلب ، والليل يكون زمانا للراحة.
(ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ) المذكور. (إِلَّا بِالْحَقِ) أي : لم يخلق ذلك باطلا ولا عبثا ـ تعالى الله عن ذلك ـ إظهارا لقدرته ، ودلائل وحدانيته. ونظيره قوله تعالى في آل عمران : (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) [آل عمران : ١٩١]. وقال تعالى في سورة أخرى : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [ص ، ٢٧]. (يُفَصِّلُ) أي : يبين (الْآياتِ) أي : الدلائل الباهرة واحدة في إثر واحدة بيانا شافيا. (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فإنهم المنتفعون بالتأمّل فيها. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص بالياء ، والباقون بالنون.
ولما استدل سبحانه وتعالى على إثبات الإلهية والتوحيد بقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [الأعراف : ٥٤] ، وثانيا بأحوال الشمس والقمر ، استدل ثالثا بقوله تعالى : (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي : بالمجيء والذهاب ، والزيادة والنقصان ، ورابعا بقوله تعالى : (وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ) من ملائكة وشمس وقمر ونجوم وغير ذلك. (وَ) ما خلق الله في (الْأَرْضِ) من حيوان وجبال وبحار وأنهار وأشجار وغير ذلك.
فائدة : أقسام الحوادث في هذا العالم محصورة في أربعة أقسام ، أحدها : الأحوال الحادثة في العناصر الأربعة ، ويدخل فيها أحوال الرعد والبرق والسحاب والأمطار ، ويدخل فيها أيضا أحوال البحار والصواعق والزلازل والخسف ، وثانيها : أحوال المعادن وهي عجيبة كثيرة ،