بالذكر وأفردها في قوله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) للعلة التي أناط بها إقامتها وهو تذكير المعبود وشغل القلب واللسان بذكره.
وقيل : (لِذِكْرِي) لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها وقيل : لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة أو لذكر صلاتي لما روى مسلم أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها إنّ الله يقول : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)(١) وقيل : لأنّ أذكرك بالثناء والمدح واجعل لك عليها لسان صدق عليا وقيل : (لِذِكْرِي) خاصة لا تشوبه بذكر غيري.
ولما خاطب تعالى موسى بقوله تعالى : (فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) أتبعه بقوله تعالى : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ) أي : كائنة (أَكادُ أُخْفِيها) قال أكثر المفسرين : معناه أكاد أخفيها من نفسي فكيف يعلمها غيري من الخلق وكيف أظهرها لكم ذكر تعالى على عادة العرب إذا بالغوا في كتمان الشيء يقول الرجل : كتمت سري من نفسي أي : أخفيته غاية الإخفاء والله تعالى لا يخفى عليه شيء والمعنى في إخفائها التهويل والتخويف لأنهم إذا لم يعلموا متى تقوم الساعة كانوا على حذر منها كل وقت وكذلك المعنى في إخفاء وقت الموت لأنّ الله تعالى وعد قبول التوبة فإذا عرف وقت موته وانقضاء أجله اشتغل بالمعاصي إلى أن يقرب ذلك الوقت فيتوب ويصلح العمل فيتخلص من عقاب المعاصي بتعريف وقت موته فتعريف وقت الموت كالإغراء بفعل المعصية فإذا لم يعلم وقت موته لا يزال على قدم الخوف والوجل فيترك المعاصي أو يتوب منها في كل وقت خوف معاجلة الأجل. وقال أبو مسلم : (أَكادُ) بمعنى أريد وهو كقوله تعالى : (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) [يوسف ، ٧٦] ومن أمثالهم المتداولة لا أفعل ذلك ولا أكاد أي : لا أريد أن أفعله وقال الحسن : إن أكاد من الله واجب فمعنى قوله تعالى : (أَكادُ أُخْفِيها) أي : أنا أخفيها عن الخلق كقوله تعالى : (عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً) [الإسراء ، ٥١] أي : هو قريب وقيل : أكاد صلة في الكلام والمعنى أنّ الساعة آتية أخفيها. قال زيد الخيل (٢) :
سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه |
|
فما أن يكاد قرنه يتنفس |
أي : فما أن يتنفس قرنه وقوله تعالى : (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) أي : تعمل من خير أو شرّ متعلق بآتية ، واختلف في المخاطب بقوله تعالى : (فَلا يَصُدَّنَّكَ) أي : يصرفنك (عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها) فقيل : وهو الأقرب كما قاله الرازي أنه موسى لأنّ الكلام أجمع خطاب له ، وقيل : هو محمد صلىاللهعليهوسلم واختلف أيضا في عود هذين الضميرين على وجهين :
أحدهما : قال أبو مسلم (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها) أي : عن الصلاة التي أمرتك بها (مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها) أي : بالساعة فالضمير الأوّل عائد إلى الصلاة والثاني إلى الساعة ومثل هذا جائز في اللغة فالعرب تلف الخبرين ثم ترمي بجوابهما جملة ليردّ السامع إلى كل خبر حقه.
ثانيهما : قال ابن عباس : (فَلا يَصُدَّنَّكَ) عن الساعة أي : عن الإيمان بها (مَنْ لا يُؤْمِنُ
__________________
(١) أخرجه البخاري في المواقيت حديث ٥٩٧ ، ومسلم في المساجد حديث ٦٨٠ ، والنسائي في المواقيت حديث ٦١٨ ، وابن ماجه في الصلاة حديث ٦٩٧.
(٢) البيت من الطويل ، وهو لزيد الخيل في تاج العروس (كود) ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في لسان العرب (كيد).