بِها) فالضميران عائدان إلى يوم القيامة وهذا أولى لأن الضمير يعود إلى أقرب المذكورات وههنا الأقرب هو الساعة وما قاله أبو مسلم إنما يصار إليه عند الضرورة ولا ضرورة ههنا.
تنبيه : المقصود من ذلك نهي موسى عن التكذيب بالبعث ولكن ظاهر اللفظ يقتضي نهي من لم يؤمن عن صدّ موسى وفيه وجهان :
أحدهما : أنّ صدّ الكافر عن التصديق بها سبب للتكذيب فذكر السبب ليدل على حمله على المسبب.
الثاني : أنّ صدّ الكافر مسبب عن رخاوة الرجل في الدين فذكر المسبب ليدل على السبب كقولهم : لا أرينك ههنا المراد نهي المخاطب عن حضوره له لا أن يراه هو فالرؤية مسببة عن الحضور كما أنّ صدّ الكافر مسبب عن الرخاوة والضعف في الدين فقيل : لا تكن رخوا بل كن شديدا صلبا حتى لا يلوح منك لمن يكفر بالبعث أنه يطمع في صدك عما أنت عليه (وَاتَّبَعَ هَواهُ) أي : ميل نفسه إلى اللذات المحبوبة المخدجة لقصر نظره عن غيرها وخالف أمر الله (فَتَرْدى) أي : فتهلك إن انصددت عنها و (ما) في قوله تعالى :
(وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٢٤) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٥) قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (٣٦) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧))
(وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ) مبتدأ استفهامية و (تِلْكَ) خبره و (بِيَمِينِكَ) حال من معنى الإشارة وقوله تعالى : (يا مُوسى) تكرير لأنه ذكره قبل في قوله تعالى : (نُودِيَ يا مُوسى) وبعد في مواضع ك (أَلْقِها يا مُوسى) لزيادة الاستئناس والتنبيه.
فإن قيل : السؤال إنما يكون لطلب العلم وهو على الله تعالى محال فما الفائدة في ذلك؟
أجيب : بأنّ في ذلك فوائد ؛ الأولى : توقيفه على أنها عصا حتى إذا قلبها حية علم أنها معجزة عظيمة وهذا على عادة العرب يقول الرجل لغير : ه هل تعرف هذا؟ وهو لا يشك أنه يعرفه ويريد أن يضم إقراره بلسانه إلى معرفته بقلبه. الثانية : أن يقرّر عنده أنها خشبة حتى إذا قلبها ثعبانا لا يخافها. الثالثة : أنه تعالى لما أراه تلك الأنوار المتصاعدة من الشجرة إلى السماء وأسمعه كلام نفسه ثم أورد عليه التكليف الشاق وذكر له المعاد وختم ذلك بالتهديد العظيم فتحير موسى ودهش فقيل له : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى؟) وتكلم معه بكلام البشر إزالة لتلك الدهشة والحيرة.
فإن قيل : هذا خطاب من الله تعالى لموسى بلا واسطة ولم يحصل ذلك لمحمد صلىّ الله عليه وسلّم أجيب : بالمنع فقد خاطبه في قوله تعالى : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) [النجم ، ١٠] إلا أنّ الذي ذكره مع موسى أفشاه إلى الخلق والذي ذكره مع محمد صلىاللهعليهوسلم كان سرا لم يؤهل له أحد من الخلق وأيضا إن كان موسى تكلم معه فأمة محمد يخاطبون الله تعالى في كل يوم مرارا على ما قاله صلىاللهعليهوسلم : «المصلي