حتى فاتته صلاة العصر غضب لله فعقر الخيل ، فأبدله الله مكانها خيرا منها ، وأسرع وهي الريح تجري بأمره كيف يشاء ، فكان يغدو من إيلياء فيقيل بإصطخر ، ثم يروح منها ، فيكون رواحها ببابل.
وقال ابن زيد : كان له مركب من خشب ، وكان فيه ألف ركن في كل ركن ألف بيت تركب معه فيه الجنّ والإنس تحت كل ركن ألف شيطان يرفعون ذلك الركن ، فإذا ارتفعت أتت الريح الرخاء ، فسارت به وبهم يقيل عند قوم بينه وبينهم شهر ، ولا يدري القوم إلا وقد أظلهم معه الجيوش (وَكُنَّا) أي : أزلا وأبدا بإحاطة العظمة (بِكُلِّ شَيْءٍ) أي : من هذا وغيره من أمره وغيره (عالِمِينَ) ومن علمنا أنّ ذلك لا يزيدهم إلا تواضعا ، وكما سخرنا الريح له سخرناها للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ليالي الأحزاب قال حذيفة رضي الله عنه حتى كانت تقذفهم بالحجارة ما تجاوز عسكرهم ، فهزمهم الله تعالى بها ، وردّوا بغيظهم لم ينالوا خيرا وأعطي صلىاللهعليهوسلم أعمّ مما أعطي جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام فقد أعطي صلىاللهعليهوسلم التصرف في العالم العلوي الذي جعل الله تعالى منه الفيض على العالم السفلي بالاحتراق لطباقه بالإسراء تارة وبإمساك المطر لما دعا بسبع كسبع يوسف وبإرساله أخرى كما في أحاديث كثيرة ، وأتى مع ذلك بمفاتيح خزائن الأرض كلها ، فردّها صلىاللهعليهوسلم.
(وَمِنَ) أي : وسخرنا لسليمان من (الشَّياطِينِ) الذين هم أكثر شيء تمردا وعتوا (مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ) أي : يدخلون في البحر ، فيخرجون منه الجواهر وغيرها من المنافع وذلك بأن أكثفنا أجسامهم مع لطافتها لتقبل الغوص في الماء معجزة في معجزة ، وقد خنق نبينا صلىاللهعليهوسلم العفريت الذي جاءه بشهاب من نار ، وأسر جماعة من أصحابه رضي الله تعالى عنهم عفاريت أتوا إلى تمر الصدقة ، وأمكنهم الله تعالى منهم (وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ) أي : سوى الغوص كبناء المدن والقصور واختراع الصنائع الغريبة كقوله تعالى : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ) [سبأ ، ١٣] الآية (وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) أي : حتى لا يخرجوا عن أمره ، وقال الزجاج : معناه : حفظناهم من أن يفسدوا ما عملوا ، وكان من عادة الشياطين إذا عملوا عملا بالنهار ، وفرغوا منه قبل الليل أفسدوه وخربوه ، وفي القصة أن سليمان كان إذا بعث شيطانا مع إنسان ليعمل له عملا قال له : إذا فرغ من عمله قبل الليل فأشغله بعمل آخر لئلا يفسد ما عمل ويخربه.
القصة السادسة : قصة أيوب المذكورة في قوله تعالى :
(وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤) وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (٨٥) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٦))
(وَأَيُّوبَ) أي : واذكر أيوب ويبدل منه (إِذْ نادى رَبَّهُ) قال وهب بن منبه : كان أيوب رجلا من الروم وهو أيوب بن أموص بن رزاح بن روم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم ، وكانت أمّه من ولد لوط بن هاران ، وكان الله تعالى قد اصطفاه ونبأه وبسط عليه الدنيا. وكانت له الثنية من أرض البلقاء من أعمال حوران من أرض الشام كلها سهلها وجبلها ، وكان له فيها من أصناف المال كله من الإبل والبقر والغنم ، والخيل والحمير ما لا يكون لرجل أفضل منه في العدّة والكثرة. وكان له خمسمائة فدّان يتبعها خمسمائة عبد لكل عبد امرأة وعبد وولد ومال ، ويحمل آلة كل فدّان أتان لكل أتان من الولد اثنان أو ثلاث أو أربع أو خمس وفوق ذلك.