وكان الله تعالى قد أعطاه أهلا وولدا من رجال ونساء ، وكان برّا تقيا رحيما بالمساكين يطعمهم ويكفل الأيتام والأرامل ، ويكرم الضيف ويبلغ ابن السبيل ، وكان شاكرا لأنعم الله مؤديا لحق الله تعالى قد امتنع من عدوّ الله إبليس أن يصيب منه ما يصيب من أهل الغنى من الغرّة والغفلة والتشاغل عن أمر الله بما هو فيه من الدنيا.
وكان معه ثلاثة نفر قد آمنوا به وصدقوه رجل من اليمن يقال له اليفن ، ورجلان من بلده يقال لأحدهما بلدد ، والآخر صابر ، وكانوا كهولا ، وكان إبليس لا يحجب عن شيء من السموات ، وكان يقف فيهنّ حيثما أراد حتى رفع الله تعالى عيسى ، فحجب من أربع ، فلما بعث محمد صلىاللهعليهوسلم عن السموات كلها إلا من استرق السمع ، فسمع إبليس تجاوب الملائكة بالصلاة على أيوب ، وذلك حين ذكره الله تعالى وأثنى عليه ، فأدركه البغي والحسد ، فصعد سريعا حتى وقف من السماء موقفا كان يقفه ، فقال : إلهي نظرت في أمر عبدك أيوب ، فوجدته عبدا أنعمت عليه فشكرك وعافيته فحمدك ، ولو ابتليته بنزع ما أعطيته لحال عما هو عليه من شكرك وعبادتك ، ولخرج من طاعتك قال الله تعالى : انطلق فقد سلطتك على ماله ، فانقض عدو الله إبليس حتى وقع على الأرض ، ثم جمع عفاريت الجنّ ومردة الشياطين وقال لهم : ماذا عندكم من القوّة ، فإني قد سلطت على مال أيوب وهي المصيبة الفادحة ، والفتنة التي لا تصبر عليها الرجال ، فقال عفريت من الشياطين : أعطيت من القوة ما إذا شئت تحولت إعصارا من نار ، وأحرقت كل شيء آتى عليه ؛ قال إبليس : فأت الإبل ورعاتها ، فأتى الإبل ، وقد وضعت رؤوسها ورعت في مراعيها ، فلم يشعر الناس حتى ثار من تحت الأرض إعصار من نار لا يدنو منها أحد إلا احترق ، فأحرق الإبل ورعاتها حتى أتى على آخرها.
ثم جاء عدوّ الله إبليس في صورة قبيحة على قعود إلى أيوب ، فوجده قائما يصلي فقال : يا أيوب أقبلت نار حتى غشيت إبلك ، فأحرقتها ومن فيها غيري ، فقال أيوب : الحمد لله الذي أعطانيها ، وهو أخذها وإنها مال الله أعارنيها ، وهو أولى بها إذا شاء تركها ، وإذا شاء نزعها ، وقديما كنت وطنت نفسي ومالي على الفناء ؛ قال إبليس : فإن الله ربك أرسل عليها نارا من السماء ، فاحترقت ، فتركت الناس مبهوتين يتعجبون منها ، منهم من يقول : ما كان أيوب يعبد شيئا وما كان أيوب إلا في غرور ، ومنهم من يقول : لو كان إله أيوب يقدر على أن يصنع شيئا لمنع وليه ، ومنهم من يقول : بل هو الذي فعل ليشمت به عدوّه ويفجع صديقه ، فقال أيوب : الحمد لله حين أعطاني ، وحين نزع مني عريانا خرجت من بطن أمي ، وعريانا أعود في التراب ، وعريانا أحشر إلى الله عزوجل ليس ينبغي لك أن تفرح حين أعطاك الله وتجزع حين قبض الله على عاريته الله أولى بك وبما أعطاك ، ولو علم الله تعالى فيك أيها العبد خيرا لنقل روحك مع تلك الأرواح ، وصرت شهيدا ، ولكنه علم منك شرّا ، فأخرجك فرجع إبليس إلى أصحابه خاسئا ذليلا ، فقال لهم : ماذا عندكم من القوّة فإني لم أكلم قلبه؟ قال عفريت : عندي من القوّة ما إذا شئت صحت صيحة لا يسمعها ذو روح إلا خرجت روحه ؛ قال إبليس : فأت الغنم ورعاتها ، فانطلق حتى توسطها ، ثم صاح صيحة فتجثمت أمواتا من عند آخرها ، وماتت رعاتها.
ثم جاء إبليس متمثلا بقهرمان الرعاة إلى أيوب وهو يصلي فقال له مثل القول الأول ، فردّ عليه أيوب مثل الردّ الأوّل ، ثم رجع إبليس إلى أصحابه فقال : ماذا عندكم من القوّة ، فإني لم أكلم قلب