أيوب ، فقال عفريت : عندي من القوّة ما إذا شئت تحولت ريحا عاصفا تنسف كل شيء تأتي عليه ، قال : فأت الفدادين والحرث ، فانطلق حين شرع الفدادون في الحرث والزرع ، فلم يشعروا حتى هبت ريح عاصف فنسفت كل شيء من ذلك حتى كأنه لم يكن.
ثم جاء إبليس متمثلا بقهرمان الحرث إلى أيوب وهو قائم يصلي ، فقال له مثل قوله الأوّل ، فردّ عليه أيوب مثل ردّه الأوّل ، وجعل إبليس يهلك أمواله مالا مالا حتى مرّ على آخره كلما انتهى إليه هلاك مال من أمواله حمد الله تعالى ، وأحسن الثناء عليه ورضي عنه بالقضاء ، ووطن نفسه بالصبر على البلاء حتى لم يبق له مال ، فلما رأى إبليس أنه قد أفنى ماله ولم ينجح منه بشيء صعد سريعا حتى وقف في الموقف الذي يقف فيه وقال : إلهي إنّ أيوب يرى أنك ما متعته بولده ، فأنت تعطيه المال ، فهل أنت مسلطي على ولده ، فإنها المصيبة التي لا تقوم لها قلوب الرجال.
قال الله تعالى : انطلق فقد سلطتك على ولده ، فانقض عدوّ الله إبليس حتى جاء بني أيوب وهم في قصرهم ، فلم يزل يزلزله بهم حتى تداعى من قواعده وجعل جدره يضرب بعضها بعضا ، ويرميهم بالخشب والحجارة حتى مثل بهم كل مثلة ورفع القصر فقلبه ، فصاروا منكبين وانطلق إلى أيوب متمثلا بالمعلم الذي كان يعلمهم الحكمة وهو جريح مشدوخ الوجه يسيل دمه ودماغه ، فأخبره وقال : لو رأيت بنيك كيف عذبوا وقلبوا فكانوا منكبين على رؤوسهم تسيل دماؤهم ، ولو رأيت كيف شقت بطونهم فتناثرت أمعاؤهم لقطع قلبك ، فلم يزل يقول : هذا أو نحوه حتى رق قلب أيوب وبكى ، وقبض قبضة من التراب فوضعها على رأسه وقال : ليت أمّي لم تلدني ، فاغتنم إبليس ذلك ، فصعد سريعا بالذي كان من جزع أيوب مسرورا به ، ثم لم يلبث أيوب أن فاء وأبصر واستغفر ، فصعد قرناؤه من الملائكة بتوبته ، فسبقت توبته إلى الله عزوجل ، وهو أعلم ، فوقف إبليس خاسئا ذليلا.
وقال : إلهي إنما هوّن على أيوب المال والولد إنه يرى أنك ما متعته بنفسه ، فإنك تعيد له المال والولد ، فهل أنت مسلطي على جسده ، فقال الله عزوجل : انطلق فقد سلطتك على جسده ، ولكن ليس لك سلطان على لسانه ولا على قلبه ولا على عقله ، وكان الله عزوجل أعلم به لم يسلطه عليه إلا رحمة لأيوب ليعظم له الثواب ويجعله عبرة للصابرين وذكرى للعالمين في كل بلاء نزل بهم ليتأسوا به في الصبر ورجاء الثواب ، فانقض عدوّ الله سريعا فوجد أيوب في مصلاه ساجدا ، فعجل قبل أن يرفع رأسه فأتاه من قبل وجهه ، فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها سائر جسده ، فخرج من قرنه إلى قدمه ثآليل مثل أليات الغنم ، ووقعت فيه حكة ، فحك بأظفاره حتى سقطت كلها ، ثم حكها بالمسوح الخشنة حتى قطعها ، ثم حكها بالفخار والحجارة الخشنة ، فلم يزل يحكها حتى بقل لحمه ، وتقطع وتغير وأنتن ، وأخرجه أهل القرية وجعلوه على كنأسة ، وجعلوا له عريشا فرفضه خلق الله كلهم غير امرأته ، وهي رحمة بنت إفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسّلام ، فكانت تختلف إليه بما يصلحه وتلزمه ، ولما رأى الثلاثة من أصحابه وهم اليفن وبلدد وصابر ما ابتلاه الله تعالى به اتهموه ورفضوه من غير أن يتركوا دينه ، فلما طال به البلاء انطلقوا إليه ، فبكتوه ولاموه ، وقالوا له : تب إلى الله تعالى من الذنب الذي عوقبت عليه ، قال وحضره معهم فتى حديث السنّ قد آمن به وصدّقه فقال لهم : إنكم تكلمتم أيها الكهول ، وأنتم أحق بالكلام مني لأسنانكم ، ولكنكم تركتم من القول أحسن من الذي قلتم ،