غير امرأته رحمة صبرت معه تحمد الله معه إذا حمد وأيوب مع ذلك لا يفتر عن ذكر الله تعالى والصبر على بلائه ، فلما غلب أيوب إبليس ولم يستطع منه شيئا اعترض امرأته في هيئة ليست كهيئة بني آدم في العظم والجسم والجمال على مركب ليس من مراكب الناس له عظم وبهاء وكمال ، فقال لها : أنت صاحبة أيوب هذا الرجل المبتلى ؛ قالت : نعم ، قال : هل تعرفيني قالت : لا فقال لها أنا إله الأرض ، وأنا الذي صنعت بصاحبك لأنه أطاع إله السماء ، وتركني فأغضبني ، ولو سجد لي سجدة واحدة رددت عليه وعليك كل ما كان من مال وولد ، وأراها إياهم ببطن الوادي الذي لقيها فيه ؛ قال وهب : وقد سمعت أنه إنما قال لها : لو أن صاحبك أكل طعاما ولم يسم عليه لعوفي مما به من البلاء ، وفي بعض الكتب أن إبليس قال لها : اسجدي لي سجدة حتى أرد عليك المال والأولاد وأعافي زوجك فرجعت إلى أيوب فأخبرته بما قال لها ، وما أراها قال : لقد أتاك عدوّ الله ليفتنك عن دينك ، ثم أقسم إن عافاه الله ليضربنها مائة جلدة ، وعند ذلك قال : مسني الضرّ من طمع إبليس في سجود حرمتي ودعائه إياها وإياي إلى الكفر (وَأَنْتَ) أي : والحال أنت (أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فافعل بي ما يفعل الرحمن بالمضرور ، وهذا تعريض بسؤال الرحمة حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة ، وذكر ربه بغاية الرحمة ، ولم يصرّح فكان ذلك ألطف في السؤال ، فهو أجدر بالنوال.
ويحكى أنّ عجوزا تعرّضت لسليمان بن عبد الملك فقالت : يا أمير المؤمنين مشت جرذان بيتي على العصا ، فقال لها : ألطفت في السؤال لا جرم لأردّنّها تثب وثب الفهود ، وملأ بيتها حبا ، ثم إنّ الله تعالى رحم رحمة امرأة أيوب بصبرها معه على البلاء وخفف عليها ، وأراد أن يبر يمين أيوب فأمره أن يأخذ ضغثا يشتمل على مائة عود صغار ، فيضربها به ضربة واحدة كما قال الله تعالى في آية أخرى : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ) [ص ، ٤٤].
وروي أنّ إبليس اتخذ تابوتا وجعل فيه أدوية وجلس على طريق امرأة أيوب يداوي الناس فمرت به امرأة أيوب ، فقالت : إنّ لي مريضا أفتداويه؟ قال : نعم ولا أريد شيئا إلا أن يقول إذا شفيته : أنت شفيتني ، فذكرت ذلك لأيوب فقال : هو إبليس قد خدعك وحلف إن شفاه الله تعالى ليضربنها مائة جلدة ، وقال وهب وغيره : كانت امرأة أيوب تعمل للناس وتجيئه بقوته ، فلما طال عليه البلاء سئمها الناس فلا يستعملها أحد ، فالتمست له يوما من الأيام ما تطعمه فما وجدت شيئا ، فجزت قرنا من رأسها فباعته برغيف فأتته به ، فقال لها : أين قرنك ، فأخبرته فحينئذ قال : مسني الضرّ ، وقال قوم : إنما قال ذلك حين قصد الدود إلى قلبه ولسانه ، فخشي أن يمتنع عن الذكر والفكر ، وقال حبيب بن أبي ثابت : لم يدع الله تعالى بالكشف حتى ظهرت له ثلاثة أشياء.
أحدها : قدم عليه صديقان حين بلغهما خبره ، فجاءا إليه ولم تبق إلا عيناه ، ورأيا أمرا عظيما فقالا : لو كان عند الله لك منزلة ما أصابك هذا.
والثاني : أنّ امرأته طلبت طعاما. فلم تجد ما تطعمه ، فباعت ذؤابتها ، وحملت إليه طعاما.
والثالث : قول إبليس إني أداويه على أن يقول : أنت شفيتني ، وقيل : إن إبليس وسوس إليه أن امرأته زنت ، فقطعت ذؤابتها فحينئذ عيل صبره ، وحلف ليضربنها مائة جلدة ، وقيل معناه مسني الضرّ من شماتة الأعداء ، وقيل : قال ذلك حين وقعت دودة من فخذه فردّها إلى موضعها ، وقال : كلي جعلني الله طعامك ، فعضته عضة زاد ألمها على جميع ما قاسى من عض الديدان فإن قيل : إن