الله تعالى سماه صابرا ، وقد أظهر الشكوى والجزع بقوله : أني مسني الضرّ ، ومسني الشيطان بنصب؟ أجيب : بأن هذا ليس بشكاية إنما هو دعاء بدليل قوله تعالى : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) والجزع إنما هو الشكوى إلى الخلق ، وأما الشكوى إلى الله تعالى ، فلا يكون جزعا ، ولا ترك صبر ، كما قال يعقوب : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ) [يوسف ، ٨٦] وقال سفيان بن عيينة من أظهر الشكوى إلى الناس وهو راض بقضاء الله تعالى لا يكون ذلك جزعا ، كما روي «أن جبريل دخل على النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : كيف تجدك ، قال : «أجدني مغموما أجدني مكروبا» (١) ، وقال صلىاللهعليهوسلم «لعائشة رضي الله تعالى عنها حين قالت : وا رأساه ، بل أنا وا رأساه» (٢) وروي أن امرأة أيوب قالت له يوما : لو دعوت الله فقال لها : كم كانت مدّة الرخاء ، فقالت : ثمانين سنة ، فقال : أستحي من الله أن أدعوه وما بلغت مدّة بلائي مدّة رخائي ، ثم تسبب عن الإجابة قوله تعالى : (فَكَشَفْنا) أي : بما لنا من العظمة (ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ) بأن أمرناه أن يركض برجله فتنبع له عين من ماء كما قال تعالى : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ) [ص ، ٤٢] فركض برجله ، فانفجرت له عين ماء فدخل فيها فاغتسل ، فأذهب الله تعالى كل ما كان به من البلاء بظاهره ، ثم مشى أربعين خطوة ، فأمره أن يضرب برجله الأرض مرّة أخرى ، ففعل ، فنبع عين ماء بارد ، فأمره فشرب منها فذهب كل داء كان بباطنه ، فصار كأصح ما يكون من الرجال وأجملهم ، فأقبلت امرأته تلتمسه في مضجعه ، فلم تجده ، فقامت كالوالهة ، ثم جاءت إليه وهي لا تعرفه ، فقالت : يا عبد الله هل لك علم بالرجل المبتلى الذي كان ههنا؟ قال : نعم وما لي لا أعرفه ، فتبسم وقال : أنا هو ، فعرفته بضحكه ، فاعتنقته قال ابن عباس : فو الذي نفس عبد الله بيده ما فارقته من عناقه حتى ردّ لهما كل ما كان لهما كما قال تعالى : (وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ) أي : أولاده الذكور والإناث بأن أحيوا له وكل من الصنفين ثلاث أو سبع (وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) أي : من زوجته رحمة ، وزيد في شبابها هذا ما دل عليه أكثر المفسرين ، وقيل : آتاه الله تعالى المثل من نسل ماله وولده الذي رده إليه ، أي : فولد له من ولده نوافل ، وقال : وهب كان له سبع بنات ، وثلاثة بنين ، وروى الضحاك عن ابن عباس رد إلى امرأته شبابها ، فولدت له ستة وعشرين ذكرا ، وقال قوم : آتى الله تعالى أيوب في الدنيا مثل أهله الذين هلكوا ، فأمّا الذين هلكوا فإنهم لم يردّوا عليه في الدنيا ، وقال عكرمة : قيل لأيوب : إنّ أهلك لك في الآخرة ، وإن شئت عجلناهم لك في الدنيا ، وإن شئت كانوا لك في الآخرة ، وآتيناك مثلهم في الدنيا ، فعلى هذا يكون معنى الآية : وآتيناه أهله في الآخرة ومثلهم معهم في الدنيا ، فقال : يكونون لي في الآخرة ، وأوتي مثلهم في الدنيا ، وروي عن أنس يرفعه «كان لأيوب أندران ؛ أندر للقمح ، وأندر للشعير ، فبعث الله تعالى سحابتين ، فأفرغت إحداهما على أندر القمح الذهب ، وأفرغت الأخرى على أندر الشعير الورق حتى فاض» (٣) وروي أن الله تعالى بعث إليه ملكا فقال : إن ربك يقرئك السّلام بصبرك فاخرج إلى
__________________
(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٣ / ١٣٩ ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ١٠ / ٢٩٥ ، ٢٩٦ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٨٨٢٥.
(٢) أخرجه البخاري في المرضى حديث ٥٦٦٦ ، وابن ماجه في الجنائز حديث ١٤٦٥ ، والدارمي في المقدمة حديث ٨٠.
(٣) أخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ٦٣٥.