أندرك فخرج إليه فأرسل عليه جرادا من ذهب قيل : إنه لما اغتسل وخرج الدود منه جعل الله تعالى لها أجنحة ، فطارت فجعلها الله تعالى جرادا من ذهب ، وأمطرت عليه ، فطارت واحدة فاتبعها وردّها إلى أندره ، فقال له الملك : أما يكفيك ما في أندرك ، فقال : هذا بركة من بركات ربي ، ولا أشبع من بركته ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بينما أيوب يغتسل عريانا خرّ عليه جراد من ذهب ، فجعل أيوب يحثي في ثوبه فناداه ربه : يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى قال : بلى يا رب ، ولكن لا غنى لي عن بركتك» (١) ، وقوله تعالى : (رَحْمَةً) مفعول له : أي : نعمة عظيمة وفخمها بقوله تعالى : (مِنْ عِنْدِنا) بحيث لا يشك من ينظر ذلك أنا ما فعلناه إلا رحمة منا له ، وإنّ غيرنا لا يقدر على ذلك (وَذِكْرى) أي : عظمة عظيمة (لِلْعابِدِينَ) أي : كلهم ليتأسوا به ، فيصبروا إذا ابتلوا ولا يظنوا أنّ ذلك إنما نزل بهم لهوانهم ، ويشكروا فيثابوا كما أثيب ، وقيل : لرحمتنا العابدين فإنا نذكرهم بالإحسان ولا ننساهم.
القصة السابعة : قصة إسماعيل وإدريس وذي الكفل المذكورة في قوله تعالى : (وَإِسْماعِيلَ) أي : واذكر إسماعيل بن إبراهيم عليهماالسلام الذي سخرنا له من الماء بواسطة الروح الأمين ما عاش به صغيرا بعدما كان هالكا لا محالة ، ثم جعلناه طعام طعم وشفاء سقم دائما وصناه وهو كبير من الذبح حين رأى أبوه في المنام أنه يذبحه ورؤيا الأنبياء وحي ، (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) [الصافات ، ١٠٧](وَ) اذكر (إِدْرِيسَ) أي : ابن شيث بن آدم عليهمالسلام الذي أحييناه بعد موته ورفعناه مكانا عليا وهو أوّل نبيّ بعث من بني آدم عليهمالسلام وتقدّمت قصته في سورة مريم (وَ) اذكر (ذَا الْكِفْلِ) سمي بذلك قال عطاء ؛ لأن نبيا من أنبياء بني اسرائيل أوحى الله تعالى إليه أني أريد أن أقبض روحك ، فاعرض ملكك على بني اسرائيل ، فمن تكفل لك أن يصلي بالليل لا يفتر ويصوم بالنهار لا يفطر ، ويقضي بين الناس ولا يغضب فادفع ملكك إليه ، ففعل ذلك ، فقام شاب فقال : أنا أتكفل لك بهذا ، فتكفل ووفى به ، فشكر الله له ، ونبأه فسمي ذا الكفل ، وقال مجاهد لما كبر إليسع قال : لو أني استخلفت رجلا من الناس يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل قال : فجمع الناس ، فقال : من يقبل مني ثلاثا أستخلفه يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب ، فقام رجل فقال : أنا ، فاستخلفه ، فأتاه إبليس في صورة شيخ ضعيف حين أخذ مضجعه للقائلة ، وكان لا ينام بالليل والنهار إلا تلك النومة ، فدق الباب فقال : من هذا؟ فقال : شيخ كبير مظلوم ، فقام ففتح الباب فقال : إنّ بيني وبين قومي خصومة ، وإنهم ظلموني ، وفعلوا ما فعلوا ، وجعل يطوّل حتى ذهبت القائلة ، فقال : إذا رحت فأتني فإني آخذ حقك ، فانطلق وراح فكان في مجلسه ينظر هل يرى الشيخ ، فلم يره فقام يتبعه فلم يجده ، فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس وينظره ، فلم يره.
فلما رجع إلى القائلة ، وأخذ مضجعه أتاه ، فدق الباب ، فقال من أنت؟ فقال : الشيخ المظلوم ، ففتح له وقال : ألم أقل لك إذا قعدت فأتني ، فقال : إنهم أخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد قالوا : نحن نعطيك حقك ، وإذا قمت جحدوني قال : فانطلق فإذا جلست فأتني وفاتته القائلة ، فلما جلس جعل ينظر فلا يراه ، وشق عليه النعاس فلما كان اليوم الثالث قال لبعض أهله : لا تدعوا هذا الرجل يقرب من هذا الباب حتى أنام ، فإنه قد شق عليّ النعاس ، فلما كانت تلك الساعة جاء ، فلم
__________________
(١) أخرجه البخاري في الغسل حديث ٢٧٩ ، والنسائي في الغسل حديث ٤٠٩.