يأذن له الرجل فلما أعياه نظر ، فرأى كوّة في البيت فتسور منها فإذا هو في البيت يدق عليه الباب من داخل فاستيقظ فقال : يا فلان ألم آمرك قال : أما من قبلي فلم تؤت فانظر من أين أتيت فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه وإذا بالرجل معه في البيت ، فقال : أتنام والخصوم ببابك ، فقال : أعدوّ الله قال : نعم أعييتني ففعلت ما ترى لأغضبك ، فعصمك الله تعالى ، فسمي ذا الكفل لأنه تكفل بأمر فوفى به ، وقيل إن إبليس جاءه وقال : إن لي غريما يظلمني ، فأحب أن تقوم معي وتستوفي حقي منه ، فانطلق معه حتى إذا كان في السوق خلاه وذهب وروي أنه اعتذر إليه وقال صاحبي هرب وقيل : إن ذا الكفل رجل كفل أن يصلي كل ليلة مائة ركعة إلى أن يقبضه الله تعالى ، فوفى به واختلفوا في أنه هل كان نبيا؟ فقال الحسن : كان نبيا ، وعن ابن عباس أنه إلياس ، وقيل : هو زكريا ، وقيل : هو يوشع بن نون ، وقال أبو موسى : لم يكن نبيا ، ولكن كان عبدا صالحا ، ولما قرن الله تعالى بين هؤلاء الثلاثة استأنف مدحهم بقوله تعالى (كُلٌ) أي : كل واحد منهم (مِنَ الصَّابِرِينَ) على ما ابتليناه به فآتيناهم ثواب الصابرين.
(وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا) أي : فعلنا بهم من الإحسان ما يفعله الراحم بمن يرحمه على وجه عمهم من جميع جهاتهم ، فكان ظرفا لهم ، ثم علل ذلك بقوله تعالى : (إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي : لكل ما يرضاه تعالى منهم يعني أنهم جبلوا جبلة خير ، فعملوا على مقتضى ذلك فكانوا من الكاملين في الصلاح وهم الأنبياء لأنّ صلاحهم معصوم عن كدر الفساد.
القصة الثامنة : قصة يونس عليه الصلاة والسّلام المذكورة في قوله تعالى :
(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨) وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (٨٩) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (٩٠) وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (٩١) إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (٩٣) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (٩٤) وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (٩٥) حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (٩٧) إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (٩٨) لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (٩٩) لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ (١٠٠) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١))
(وَذَا النُّونِ) أي : واذكر صاحب الحوت وهو يونس بن متى ويبدل منه (إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) واختلفوا في معنى ذلك ، فقال الضحاك : مغاضبا لقومه ، وهو رواية العوفي وغيره عن ابن عباس قال : كان قوم يونس يسكنون فلسطين ، فغزاهم ملك فسبى منهم تسعة أسباط ونصفا وبقي سبطان ونصف ، فأوحى الله تعالى إلى شعيب النبيّ أن سر إلى حزقيل الملك وقل له يوجه نبيا قويا إلى هؤلاء فإني ألقي في قلوبهم الرعب حتى يرسلوا معه بني اسرائيل فقال له الملك فمن ترى؟ وكان