في مملكته خمسة أنبياء فقال يونس : فإنه قويّ أمين ، فدعا الملك يونس وأمره أن يخرج فقال يونس : هل أمرك الله بإخراجي قال : لا قال : فهل سماني لك ، قال : لا ، قال : فههنا أنبياء غيري أقوياء فألحوا عليه ، فخرج من بينهم مغاضبا للنبيّ والملك ولقومه ، فأتى بحر الروم فركبه ، وقال عروة بن الزبير وسعيد بن جبير وجماعة ذهب عن قومه مغاضبا لربه إذا كشف عن قومه العذاب بعد ما وعدهم به وكره أن يكون بين قوم قد جربوا عليه الخلف فيما وعدهم واستحيا منهم ، ولم يعلم السبب الذي رفع به العذاب عنهم ، وكان غضبه أنفة من ظهور خلف وعده وأن يسمى كذابا لا كراهية الحكم لله تعالى.
وفي بعض الأخبار أنه كان من عادة قومه أن يقتلوا من جرب عليه الكذب ، فخشي أن يقتلوه لما لم يأتهم العذاب للميعاد ، فغضب والمغاضبة ههنا من المفاعلة التي تكون من واحد كالمنافرة والمعاقبة ، فمعنى قوله مغاضبا أي : غضبانا.
وقال الحسن : إنما غاضب ربه من أجل أنه أمره بالمسير إلى قوم لينذرهم بأسه ويدعوهم إليه ، فسأل ربه أن ينظره ليذهب ، فقيل له : إن الأمر أسرع من ذلك حتى سأله أن ينظره إلى أن يأخذ نعلا يلبسها ، فلم ينظره ، وكان في خلقه ضيق ، فذهب مغاضبا ، وعن ابن عباس قال : أتى جبريل يونس فقال : انطلق إلى أهل نينوى فأنذرهم ، قال التمس دابة قال : الأمر أعجل من ذلك ، فغضب فانطلق إلى السفينة وقال وهب : إنّ يونس كان عبدا صالحا ، وكان في خلقه ضيق ، فلما حمل عليه أثقال النبوّة تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل الثقيل ، فقذفها بين يديه وخرج هاربا ، فلذلك أخرجه الله تعالى من أولي العزم ، فقال تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف ، ٣٥] ، وقال : (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ) [القلم ، ٤٨](فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) أي : لن نقضي عليه بالعقوبة قاله مجاهد وقتادة والضحاك ، وقال عطاء وكثير من العلماء معناه ، فظن أن لن نضيق عليه الحبس من قوله تعالى : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) [الرعد ، ٢٦] وعن ابن عباس أنه دخل على معاوية فقال : لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة فغرقت فيها ، فلم أجد لنفسي خلاصا إلا بك ، قال : وما هي يا معاوية؟ فقرأ هذه الآية فقال : أو يظن نبيّ الله أن لن يقدر عليه ، قال هذا من القدر الذي معناه الضيق لا من القدرة ، وقال ابن زيد : هو استفهام معناه أفظن أنه يعجز ربه فلا يقدر عليه (فَنادى) أي : فاقتضت حكمتنا أن عاتبناه حتى يستسلم ، فألقى نفسه في البحر ، فالتقمه الحوت ، فمكث فيه أربعين من بين يوم وليلة ، وقال عطاء : سبعة أيام.
وقيل : إن الحوت ذهب به مسيرة ستة آلاف سنة ، وقيل : بلغ به تخوم الأرض السابعة ، ومنعناه أن يكون له طعاما ، فنادى (فِي الظُّلُماتِ) ظلمة الليل وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت وقيل : في الظلمة الشديدة المتكاثفة في بطن الحوت كقوله تعالى : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ) [البقرة ، ١٧] وقوله : (يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) [البقرة ، ٢٥٧] ، وقيل : ابتلع حوته حوت أكبر منه فجعل في ظلمتي بطن الحوتين ، وظلمة البحر (أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ) ولما نزهه عن الشريك عمم فقال تعالى : (سُبْحانَكَ) أي : تنزهت عن كل نقص فلا يقدر على الإنجاء مما أنا فيه إلا أنت ، ثم أفصح بطلب الخلاص بقوله ناسبا إلى نفسه من النقص ما نزه الله عن مثله (إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) أي : في خروجي من بين قومي قبل الإذن فاعف عني كما هي سيرة القادرين. روي عن أبي هريرة مرفوعا «أوحى الله تعالى إلى الحوت أن خذه ، ولا تخدش له لحما ، ولا تكسر له