عظيم على غاية من الشدّة والمد تكاد تخرج معه النفس؟ أجيب : بأنهم إذا كانوا هم وأوثانهم في قرن واحد جاز أن يقال لهم : زفير ، وإن لم يكن الزافرون إلا هم دون الأوثان للتغليب ولعدم الإلباس (وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ) شيئا لشدّة غليانها ، وقال ابن مسعود في هذه الآية : إذا بقي في النار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من نار ، ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت أخرى عليها مسامير من نار فلا يسمعون شيئا ، ولا يرى أحد منهم أنّ أحدا يعذب في النار غيره ، وروي «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما فجلس إليهم ، فعرض له النضر بن الحارث فكلمه رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى أفحمه ، ثم تلا عليهم إنكم وما تعبدون من دون الله الآية ، فأقبل عبد الله بن الزبعرى السلمي ، فرآهم يتهامسون فقال : فيم خوضكم ، فأخبره الوليد بن المغيرة بقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال عبد الله : أما والله لو وجدته لخصمته ، فدعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال له ابن الزبعرى : أأنت قلت ذلك؟ قال : نعم ، قال : قد خصمتك ورب الكعبة أليس اليهود عبدوا عزيرا والنصارى عبدوا المسيح ، وبنو مليح عبدوا الملائكة ، فقال صلىاللهعليهوسلم : بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى»)(١) أي : الحكم بالموعدة البالغة في الحسن في الأزل ، ومنهم من ذكر سواء أضل بأحد منهم الكفار فأطروه أم لا (أُولئِكَ) أي : العالو الرتبة (عَنْها) أي : جهنم (مُبْعَدُونَ) برحمة الله تعالى لأنهم أحسنوا في العبادة واتقوا ، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ، وفي رواية ابن عباس «أن ابن الزبعرى لما قال للنبي صلىاللهعليهوسلم ذلك سكت ولم يجب ، فضحك القوم ، فنزل قوله تعالى : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) [الزخرف ، ٥٧ ، ٥٨] ، ونزل في عيسى والملائكة إن الذين سبقت لهم منا الحسنى الآية ، وقد أسلم ابن الزبعرى بعد ذلك رضي الله تعالى عنه ، ومدح النبي صلىاللهعليهوسلم ، وادّعى جماعة أنّ المراد من الآية الأصنام ؛ لأنّ الله تعالى قال : وما تعبدون من دون الله ، ولو أراد الملائكة والناس لقال : ومن تعبدون ، يروى أن عليا رضي الله تعالى عنه قرأ هذه الآية ثم قال : أنا منهم ، وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وابن الجراح ، ثم أقيمت الصلاة فقام يجرّ رداءه وهو يقول :
(لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (١٠٢) لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣) يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (١٠٤) وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥) إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (١٠٦) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧) قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (١٠٩) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (١١٠) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (١١١) قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١١٢)
__________________
(١) أخرجه ابن كثير في تفسيره ٣ / ١٩٩ ، والطبري في تفسيره ١٧ / ٩٦.