العبارة إيماء إلى أنّ الأرض كرة ، وقيل : الضمير راجع إلى الناس المسوقين إلى المحشر. روي عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : «اطلع النبيّ صلىاللهعليهوسلم علينا ونحن نتذاكر الساعة فقال صلىاللهعليهوسلم : ما تتذاكرون؟ قلنا : نتذاكر الساعة ، قال : إنها لن تقوم الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات ، فذكر الدجال والدخان والدابة وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى ابن مريم ، ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم» (١).
(وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ) أي : يوم القيامة ؛ قال حذيفة : لو أنّ رجلا اقتنى فلوا بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم الساعة (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) قال الكلبيّ : شخصت أبصار الكفار فلا تكاد تطرف من شدة ذلك اليوم.
تنبيه : فإذا هي إذا للمفاجأة وهي تقع في المجازاة سادّة مسدّ الفاء كقوله تعالى : (إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) [الروم ، ٣٦] ، فإذا جاءت الفاء معها تعاونتا على وصل الجزاء بالشرط ، فيتأكد ، ولو قيل : إذا هي شاخصة أو فهي شاخصة كان سديدا ، قال سيبويه : والضمير للقصة بمعنى فإذا القصة شاخصة يعني القصة أنّ أبصار الذين كفروا تشخص عند ذلك ، وقال الزمخشري : هي ضمير مبهم توضحه الأبصار ، وتفسره كما فسر الذين ظلموا وأسروا النجوى وقولهم : (يا وَيْلَنا) أي : هلاكنا متعلق بمحذوف تقديره : يقولون يا ويلنا ، ويقولون في موضع الحال من الذين كفروا ويا للتنبيه (قَدْ كُنَّا) أي : في الدنيا (فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) أي : اليوم حيث كذبنا وقلنا : إنه غير كائن ، ثم أضربوا عن الغفلة فقالوا : (بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ) أنفسنا بعدم اعتقاده واضعين الشيء في غير موضعه حيث أعرضنا عن تأمّل دلائله ، والنظر في مخايله ، وكذبنا الرسل وعبدنا الأوثان.
وقوله تعالى : (إِنَّكُمْ) خطاب لأهل مكة ، وأكده لإنكارهم مضمون الخبر (وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي : غيره من الأوثان (حَصَبُ جَهَنَّمَ) أي : وقودها ، وهو ما يرمى به إليها وتهيج به من حصبه يحصبه إذا رماه بالحصب والحصب في لغة أهل اليمن الحطب ، وقال عكرمة : هو الحطب بالحبشية قال الضحاك : يعني يرمون بهم في النار كما يرمى بالحصب ، وقوله تعالى : (أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) أي : داخلون استئناف أو بدل من حصب جهنم ، واللام معوضة من على للاختصاص والدلالة على أنّ ورودهم لأجلها.
(لَوْ كانَ هؤُلاءِ) أي : الأوثان (آلِهَةً) أي : كما زعمتم (ما وَرَدُوها) أي : ما دخل الأوثان وعابدوها النار ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بإبدال الهمزة الثانية ياء خالصة في الوصل بعد تحقيق الأولى ، والباقون بتحقيقهما (وَكُلٌ) أي : من العابدين والمعبودين (فِيها) أي : في جهنم (خالِدُونَ) لا انفكاك لهم عنها بل يحمى بكل منهم فيها على الآخر فإن قيل : لم قرنوا بآلهتهم؟ أجيب : بأنهم لا يزالون لمقارنتهم في زيادة غم وحسرة حيث أصابهم ما أصابهم بسببهم والنظر إلى وجه العدوّ باب من العذاب ؛ لأنهم قدروا أنهم يستشفعون في الآخرة وينتفعون بشفاعتهم ، فإذا صادفوا الأمر على عكس ما قدروا لم يكن شيء أبغض إليهم منهم.
فإن قيل : إذا عنيت بما تعبدون الأوثان فما معنى قوله تعالى : (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ) أي : تنفس
__________________
(١) أخرجه الترمذي في الفتن حديث ٢١٨٣ ، وابن ماجه في الفتن حديث ٤٠٥٥.