مضافا إلى فاعله ، ويصح أن يكون إلى المفعول فيه على طريق الاتساع في الظرف وإجرائه مجرى المفعول به كقوله تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ ، ٣٣] ، وهي الزلزلة المذكورة في قوله تعالى : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) [الزلزلة ، ١] واختلف في وقتها ، فعن الحسن أنها تكون يوم القيامة ، وعن علقمة والشعبي عند طلوع الشمس من مغربها الذي هو أقرب للساعة (شَيْءٌ عَظِيمٌ) أي : أمر كبير وخطر جليل وحادث هائل لا تحتمل العقول وصفه وهذا للزلزلة نفسها ، فكيف بجميع ما يحدث في ذلك اليوم الذي لا بدّ لكم من الحشر فيه إلى الله تعالى ليجازيكم على ما كان منكم لا ينسى منه نقير ولا قطمير.
(يَوْمَ تَرَوْنَها) أي : الزلزلة أو الساعة ، أو كل مرضعة أضمرها قبل الذكر تهويلا للأمر ، وترويعا للنفس (تَذْهَلُ) بسبب ذلك (كُلُّ مُرْضِعَةٍ) أي : بالفعل أي : تنسى وتغفل حائرة مدهوشة ، والعامل في يوم تذهل.
فإن قيل : لم قال تعالى : (مُرْضِعَةٍ ،) ولم يقل : مرضع؟ أجيب : بأن المرضعة هي التي في حال الإرضاع ملقمة ثديها للطفل والمرضع التي شأنها أن ترضع ، وإن لم تباشر الإرضاع في حال وضعها ، فقال : مرضعة ليدل على أنّ ذلك الهول إذا فوجئت به هذه وقد ألقمت ثديها تنزعه من فيه لما يلحقها من الدهشة (عَمَّا أَرْضَعَتْ) عن إرضاعها أو عن الذي أرضعته ، وهو الطفل ، فما إمّا مصدرية أو موصولة (وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها) أي : تسقطه قبل التمام رعبا وفزعا.
تنبيه : هذا ظاهر على القول الثاني وهو قول علقمة والشعبيّ على أنّ ذلك يكون عند طلوع الشمس من مغربها ، وأمّا على القول الأوّل وهو قول الحسن على أنّ ذلك يوم القيامة كيف يكون ذلك؟ فقيل : هو تصوير لهولها ، قاله البيضاوي ، وقال البقاعي في المرضعة : هي من ماتت مع ابنها رضيعا ، وفي ذات الحمل : من ماتت حاملا ، فإنّ كل أحد يقوم على ما مات عليه ، وهذا أولى فإني في حال كتابتي في هذا المحل حضر عندي سيدي الشيخ عبد الوهاب الشعراني نفعنا الله تعالى ببركته ، فذكرت له هذين القولين ، فانشرح صدره لترجيح هذا الثاني ، وذلك يوم تاسوعاء من شهر الله المحرّم سنة ست وخمسين وتسعمائة ، وعن الحسن تذهل المرضعة عن ولدها بغير فطام ، وتضع الحامل ما في بطنها بغير تمام.
ويؤيد أنّ هذه الزلزلة تكون بعد البعث ما روي عن أبي سعيد الخدري أنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يقول الله عزوجل يوم القيامة : يا آدم ، فيقول : لبيك وسعديك ـ زاد في رواية والخير في يديك ـ فينادى بصوت إنّ الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار ؛ قال : يا رب ، وما بعث النار؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون ، فحينئذ تضع الحوامل حملها ، ويشيب الوليد وساق بقية الآية» (١) ، وهي (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى) أي : لما هم فيه من الدهشة والحيرة ، ثم بيّن الله تعالى أنّ ذلك ليس بسكر حقيقة بقوله تعالى : (وَما هُمْ بِسُكارى) أي : من الشراب ، ولما نفى أن يكونوا سكارى من الشراب أثبت ما أوجب لهم تلك الحالة بقوله : (وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ) ذي العزة والجبروت (شَدِيدٌ) فهو الذي أوجب أن يظن بهم السكر ؛ لأنّ هوله أذهب عقولهم وطيّر تمييزهم ، تم الحديث عند آخر الآية ، «فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم زاد في رواية
__________________
(١) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء حديث ٣٣٤٨ ، ومسلم في الإيمان حديث ٢٢٢.