قالوا : يا رسول الله أيّنا ذلك الواحد ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ، ومنكم واحد ، ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود ، وفي رواية كالرقمة في ذراع الحمار ، وإني أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ، فكبّرنا ، ثم قال : ثلث أهل الجنة ، فكبّرنا ، ثم قال : شطر أهل الجنة فكبّرنا» (١) ، وفي رواية : «إني لأرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة» (٢).
روى عمران بن حصين رضي الله عنه أن هاتين الآيتين نزلتا في غزوة بني المصطلق ليلا ، فنادى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فحثوا المطيّ حتى كانوا حول رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقرأهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم عليهم فلم نر أكثر باكيا من تلك الليلة ، فلما أصبحوا لم يحطوا السروج عن الدواب ، ولم يضربوا الخيام وقت النزول ولم يطبخوا قدرا ، وكانوا ما بين حزين وباك ومفكر ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أيّ يوم ذلك؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ذلك يوم يقول الله لآدم : قم فابعث بعث النار ـ وذلك نحو حديث أبي سعيد وزاد فيه ـ ثم قال : «يدخل من أمّتي سبعون ألفا الجنة بغير حساب» قال عمر : سبعون ألفا؟ قال : «نعم ومع كل واحد سبعون ألفا» (٣).
وقرأ حمزة والكسائي بفتح السين وسكون الكاف فيهما ، والباقون بضم السين وفتح الكاف وبعد الكاف ألف ، وأمال الألف بعد الراء أبو عمرو وحمزة والكسائي محضة ، وورش بين بين ، والباقون بالفتح. ونزل في النضر بن الحرث ، وكان كثير الجدل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان يقول : الملائكة بنات الله ، والقرآن أساطير الأولين ، وكان ينكر البعث وإحياء من صار ترابا.
(وَمِنَ النَّاسِ) أي : المذبذبين (مِنَ) لا يسعى في إعلاء نفسه وتهذيبها ، فيكذب فيؤبق بسوء عمله ؛ لأنه (يُجادِلُ فِي اللهِ) أي : في قدرته على ذلك اليوم ، وفي غير ذلك بعد أن جاءه العلم بها اجتراء على سلطانه العظيم (بِغَيْرِ عِلْمٍ) بل بالباطل الذي هو جهل صرف فيترك اتباع الهداة (وَيَتَّبِعُ) بغاية جهده في جداله (كُلَّ شَيْطانٍ) محترق بالسوء مبعد باللعن (مَرِيدٍ) أي : متجرّد للفساد ولا شغل له غيره ؛ قال البيضاوي : وأصله العري أي : عن الساتر.
(كُتِبَ) أي : قدّر وقضي على سبيل الحتم الذي لا بدّ منه تعبيرا باللازم عن الملزوم (عَلَيْهِ) أي : على ذلك الشيطان (أَنَّهُ) أي : الشأن (مَنْ تَوَلَّاهُ) أي : فعل معه فعل الولي مع وليه باتباعه والإقبال على ما يزينه (فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) بما يبغض إليه من الطاعات ، فيخطىء سبيل الخير (وَيَهْدِيهِ) أي : بما يزين له من الشهوات الحاملة على الزلات (إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) أي : النار.
ثم ألزم الحجة منكري البعث بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) أي : كافة ويجوز أن يراد به المنكر فقط (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) أي : شك وتهمة وحاجة إلى البيان (مِنَ الْبَعْثِ) وهو قيام الأجسام بأرواحها كما كانت قبل مماتها فتفكروا في خلقتكم الأولى لتعلموا أنّ القادر على خلقكم أوّلا قادر على خلقكم ثانيا ، ثم إنه سبحانه وتعالى ذكر مراتب الخلقة الأولى أمورا سبعة :
__________________
(١) انظر الحاشية السابقة.
(٢) أخرجه الحميدي في مسنده ٨٣١.
(٣) أخرجه الترمذي حديث ٣١٦٨ ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٩ / ١٨١ ، والسيوطي في الدر المنثور ٤ / ٣٤٣.