الأرض كما في الصحاح. وقيل : فليمدد حبلا إلى سماء الدنيا ثم ليصعد عليه فيجتهد في دفع نصر النبي صلىاللهعليهوسلم على الأوّل ، أو يحصل رزقه على الثاني ، وقرأ ورش وأبو عمرو وابن عامر بكسر اللام والباقون بسكونها (فَلْيَنْظُرْ) ببصره وبصيرته (هَلْ يُذْهِبَنَ) وإن اجتهد (كَيْدُهُ) في عدم نصرة النبي صلىاللهعليهوسلم وإعلاء كلمته أو أنّ ذلك لا يغلب القسمة فإنّ الأرزاق بيد الله لا تنال إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى وهذا كما يقال لمن أدبر عنه أمر فجزع : اضرب برأسك الجدار إن لم ترض هذا ، مت غيظا ونحو ذلك ، والحاصل : إن لم يصبر طوعا صبر كرها واختلف في سبب نزول هذه الآية على القول الأوّل فذكروا فيها وجوها :
أحدها : كان قوم من المسلمين لشدّة غيظهم على الكفار يستبطؤن ما وعد الله رسوله من النصر فنزلت.
ثانيها : قال مقاتل : نزلت في نفر من أسد وغطفان قالوا : نخاف أنّ الله لا ينصر محمدا فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود فلا يميروننا.
ثالثها : أنّ حساده وأعداءه كثيرة وكانوا يتوقعون أن لا ينصره وأن لا يعينه على أعدائه فمتى شاهدوا أن الله نصره غاظهم ذلك (وَكَذلِكَ) أي : ومثل ما أنزلنا هذه الآيات لبيان حكمها وإظهار أسرارها (أَنْزَلْناهُ) أي : القرآن الباقي وقوله تعالى : (آياتٍ بَيِّناتٍ) أي : معجزا نظمها كما كان معجزا حكمها حال وقوله تعالى : (وَأَنَّ اللهَ) أي : الموصوف بالإكرام كما هو موصوف على محل أنزلناه.
ولما قال تعالى : (وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ) أتبعه ببيان من يهديه ومن لا يهديه ، وبدأ بالقسم الأوّل بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ورسوله وعبر بالفعل ليشمل الإقرار باللسان الذي هو أدنى وجوه الإيمان ثم شرع في القسم الثاني بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ هادُوا) أي : انتحلوا دين اليهودية (وَالصَّابِئِينَ) وهم فرقة من النصارى سميت بذلك قيل : لنسبتها إلى صابي عم نوح ، وقيل : لخروجهم عن دين إلى دين لآخر ، وإطلاق الصابئة على هذا هو المشهور وتارة يوافقونهم في أصول دينهم فتحل مناكحتهم وتارة يخالفونهم فلا تحل مناكحتهم وتطلق أيضا على قوم أقدم من النصارى يعبدون الكواكب السبعة ويضيفون الآثار إليها وينفون الصانع المختار فهؤلاء لا تحل مناكحتهم وقد أفتى الإصطخري والمحاملي بقتلهم لما استفتى القاهر الفقهاء فيهم فبذلوا له أموالا كثيرة فتركهم والبلاء قديم وقرأ نافع بالياء التحتية بعد الباء والباقون بهمزة مكسورة بعد الباء الموحدة (وَالنَّصارى) أي : الذين انتحلوا دين النصرانية (وَالْمَجُوسَ) قال قتادة : هم عبدة الشمس والقمر والنيران قال : (وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) هم عبدة الأوثان قال مقاتل : الأديان كلها ستة واحد للرحمن وهو الإسلام ، وخمسة للشيطان وقيل : خمسة ، أربعة للشيطان ، وواحد للرحمن بجعل الصابئين مع النصارى لأنهم فرع منهم كما مر على المشهور وقد تقدّم الكلام على هذه الآية في سورة البقرة (إِنَّ اللهَ) الذي هو أحكم الحاكمين (يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) بإدخال المؤمنين الجنة وغيرهم النار وأدخلت إنّ على كل واحد من جزأى الجملة لزيادة التأكيد ونحوه قول جرير (١) :
إنّ الخليفة إنّ الله سربله |
|
سربال ملك به ترجى الخواتيم |
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو لجرير في ديوانه ص ٦٧٢ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٣٦٤ ـ ٣٦٨ ، وبلا نسبة في أمالي الزجاجي ص ٦٢ ، وتذكرة النحاة ص ١٣٠ ، ولسان العرب (ختم).