بالموت حتف أنفه أولى بالأكل مما ذبح ، وقولهم : نحن أهل الله وسكان حرمه ، ولا نخرج من الحرم فنقف في الحج بالمشعر الحرام ، وتقف الناس بعرفة ، ونحن نطوف في ثيابنا وكذا من ولدناه ، وأمّا غيرنا فلا يطوف إلا عاريا ذكرا كان أو أنثى إلا أن يعطيه أحدنا ما يلبسه ، ونحو ذلك مما يريدون أن يطفئوا به نور الله تعالى ، وكذا تأويلات الباطنية والاتحادية ، وأنظارهم التي ألحدوا فيها يضل الله تعالى بها من يشاء ، ثم يمحوها ممن أراد من عباده ، وما أراد من أمره (فَيَنْسَخُ) أي : فيتسبب عن إلقائه أنه ينسخ (اللهُ) أي : المحيط بكل شيء علما وقدرة (ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) فيبطله بإيضاح أمره (ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) أي : ثم يجعلها جلية فيما يريد منها وأدل دليل على أنّ هذا هو المراد من الافتتاح بالمتأخرة في الآيات الختام بقوله عطفا على ما تقديره فالله على ما يشاء قدير (وَاللهُ عَلِيمٌ) بأحوال خلقه (حَكِيمٌ) فيما يفعله بهم.
وقيل : إنه صلىاللهعليهوسلم حدث نفسه بزوال المسكنة فنزلت ، وقال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما من المفسريين لما رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم إعراض قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم لما جاءهم به تمنى في نفسه أن يأتيهم من الله ما يقارب بينه وبين قومه ، وذلك لحرصه على إيمانهم ، فجلس ذات يوم في ناد من أندية قريش كثير أهله ، وأحب يومئذ أن يأتيه من الله تعالى شيء لم ينفروا عنه وتمنى ذلك فأنزل الله تعالى سورة والنجم إذا هوى ، فقرأها رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى بلغ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى وسوس إليه الشيطان حتى سبق لسانه سهوا إلى أن قال : تلك الغرانيق العلى ، وإنّ شفاعتهنّ لترتجى ففرح به المشركون ، ومضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في قراءة السورة كلها ، وسجد في آخرها ، وسجد المسلمون لسجوده وجميع من في المسجد من المشركين ، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد سوى الوليد بن المغيرة وأبو أحيحة سعيد بن العاص ، فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها على جبهتهما وسجدا عليها لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود ، وتفرّقت قريش وقد سرهم ما سمعوا ، وقالوا قد ذكر محمد آلهتنا تشفع بأحسن الذكر وقالوا : قد عرفنا أنّ الله تعالى يحيي ويميت ويرزق ، ولكن هذه آلهتنا تشفع لنا عنده ، فإذا جعل لهم محمدا نصيبا فنحن معه ، فلما أمسى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أتاه جبريل فقال : يا محمد ما ذا صنعت لقد تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله عزوجل ، فحزن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حزنا شديدا وخاف من الله تعالى خوفا شديدا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية تعزية له وكان به رحيما ، وسمع بذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم وبلغهم سجود قريش ، وقيل : قد أسلمت أهل مكة ، فرجع أكثرهم إلى عشائرهم وقالوا : هم أحبّ إلينا حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن الذي كانوا يتحدّثون به من إسلام أهل مكة كان باطلا ، فلم يدخل أحد منهم إلا بجوار مستخفيا ، فلما نزلت هذه الآية قالت قريش : ندم محمد على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله تعالى ، فغيّر ذلك. قال الرازي : هذه رواية عامّة المفسرين الظاهرية أما أهل التحقيق فقد قالوا : هذه الرواية باطلة موضوعة ، واحتجوا على البطلان بالقرآن والسنة والمعقول.
أمّا القرآن فبوجوه أحدها : قوله تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) [الحاقة : ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٦] ثانيها : قوله تعالى : (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) [يونس ، ١٥] ثالثها : قوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) [النجم ، ٣].
وأمّا السنة فمنها ما روي عن محمد بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة ، فقال : هذا من وضع