غير مواضعها كفعل من هو في الظلام (لَفِي شِقاقٍ) أي : خلاف لكونهم في شق غير شق حزب الله بمعاجزتهم في الآيات بتلك الشبهة التي تلقوها من الشيطان ، وجادلوا بها أولياء الرحمن (بَعِيدٍ) عن الصواب (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) [الأنعام ، ١١٣] ، وعلى ثبوت ذكر القصة وجرى عليه الجلال المحلي ؛ قال : إنهم في خلاف طويل مع النبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين حيث جرى على لسانه ذكر آلهتهم بما يرضيهم ، ثم أبطل ذلك.
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) بإتقان حججه وإحكام براهينه وضعف شبه المعاجزين (أَنَّهُ) أي : الشيء الذي تلوته أو تحدثت به (الْحَقُ) أي : الثابت الذي لا يمكن زواله (مِنْ رَبِّكَ) أي : المحسن إليك بتعليمك إياه (فَيُؤْمِنُوا بِهِ) لما ظهر لهم من صحته بما ظهر من ضعف تلك الشبهة (فَتُخْبِتَ) أي : تطمئن وتخضع (لَهُ قُلُوبُهُمْ) وتسكن به نفوسهم (وَإِنَّ اللهَ) بجلاله وعظمته (لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا) في جميع ما يلقيه أولياء الشيطان (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي : قويم ، وهو الإسلام يصلون به إلى معرفة بطلانه حتى لا تلحقهم حيرة ، ولا تعتريهم شبهة ، فيوصلهم ذلك إلى سعادة الدارين.
(وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : وجد منهم الكفر وطبعوا عليه (فِي مِرْيَةٍ) أي : شك (مِنْهُ) قال ابن جريج : أي : من القرآن ، وقيل : مما ألقى الشيطان على رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقولون : فما باله ذكرها بخير ثم ارتدّ عنها ، وقيل : من الدين وهو الصراط المستقيم (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ) أي : القيامة ، وقيل : أشراطها ، وقيل : الموت (بَغْتَةً) أي : فجأة (أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) قال عكرمة والضحاك : لا ليل بعده وهو يوم القيامة ، والأكثرون على أنه يوم بدر ، وسمي عقيما لأنه لم يكن في ذلك اليوم للكفار خير كالريح العقيم التي لا تأتي بخير ، وقيل : لأنه لا مثل له في عظم أمره لقتال الملائكة فيه ، ويقوي التفسير الأوّل قوله تعالى :
(الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ) أي : يوم القيامة (لِلَّهِ) أي : المحيط بجميع صفات الكمال وحده ، ولما كان كأنه قيل : ما معنى اختصاصه به ، وكل الأيام له قيل : (يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) أي : المؤمنين والكافرين بالأمر الفصل الذي لا حكم فيه ظاهرا ولا باطنا لغيره كما ترونه الآن بل يمشي فيه الأمر على أتم شيء من العدل (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا) أي : وصدّقوا دعواهم الإيمان بأن عملوا (الصَّالِحاتِ) وهي ما أمرهم الله به (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) فضلا منه ورحمة لهم بما رحمهمالله تعالى من توفيقهم للأعمال الصالحات
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا) أي : ستروا ما أعطيناهم من المعرفة بالأدلة على وحدانيتنا (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) أي : ساعين بما أعطيناهم من الفهم في تعجيزها بالمجادلة بما يوحي إليهم أولياؤهم من الشياطين من الشبه (فَأُولئِكَ) أي : البعداء عن أسباب الكرم (لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) أي : شديد بسبب ما سعوا في إهانة آياتنا مريدين إعزاز أنفسهم بمغالبتنا والتكبر عن آياتنا.
فإن قيل : لم أدخل الفاء في خبر الثاني دون الأوّل؟ أجيب : بأن في ذلك تنبيها على أنّ إثابة المؤمنين بالجنان تفضل من الله تعالى ، وأن عقاب الكافرين مسبب عن أعمالهم ، ولذلك قال : (لَهُمْ عَذابٌ) ولم يقل : هم في عذاب.
ولما كان المؤمنون في حصر مع الكفار رغبهم الله في الهجرة بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا