تنبيه : قال الزمخشري قد نقيضة لما هي تثبت المتوقع ولما تنفيه ، ولا شك أنّ المؤمنين كانوا متوقعين لمثل هذه البشارة وهي الإخبار بثبات الفلاح لهم ، فخوطبوا بما دل على ثبات ما توقعوه. فإن قيل : ما المؤمن؟ أجيب : بأنه في اللغة هو المصدق وأما في الشريعة فقد اختلف فيه على قولين : أحدهما : أنّ كل من نطق بالشهادتين مواطئا قلبه لسانه ، فهو مؤمن والآخر أنه صفة مدح لا يستحقها إلا البر التقي دون الفاسق ، ثم إنه تعالى حكم بحصول الفلاح لمن كان مستجمعا لصفات سبعة :
الصفة الأولى : كونهم مؤمنين.
الصفة الثانية : المذكورة في قوله تعالى : (الَّذِينَ هُمْ) أي : بضمائرهم وظواهرهم (فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) قال ابن عباس : مخبتون أذلاء ، وقيل : خائفون ، وقيل : متواضعون ، وعن قتادة : الخشوع إلزام موضع السجود ، روى الحاكم ـ وقال : صحيح على شرط الشيخين ـ : «أنه صلىاللهعليهوسلم كان يصلي رافعا بصره إلى السماء ، فلما نزلت هذه الآية رمى ببصره إلى نحو مسجده» (١) أي : موضع سجوده وكان الرجل إذا قام إلى الصلاة هاب الرحمن أنّ يشدّ بصره إلى شيء أو يحدّث بشيء من شأن الدنيا ، وقيل : هو جمع الهمة لها والإعراض عما سواها ، ومن الخشوع أنّ يستعمل الأدب فيتوقى كف الثوب والعبث بجسده وثيابه والتشبيك والالتفات والتمطي والتثاؤب والتغميض وتغطية الفم والسدل والفرقعة والاختصار ، وتقليب الحصى ، روى الترمذي لكن بسند ضعيف : «أنه صلىاللهعليهوسلم أبصر رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال : لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه» (٢) ، ونظر الحسن إلى رجل يعبث بالحصى وهو يقول : اللهم زوّجني الحور العين فقال : بئس الخاطب أنت تخطب وأنت تعبث ، وعنه أنه قال : كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع ، وعن معاذ بن جبل : من عرف من على يمينه وشماله وهو في الصلاة فلا صلاة له ، وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «إنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها» (٣) ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «كم من قائم حظه من قيامه التعب والنصب» (٤) وقال : «من لم تنهه الصلاة عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا» (٥).
فينبغي للشخص أنّ يحتاط في صلاته ليوقعها على التمام ، فإنّ بعض العلماء اختار عدم الإمامة ، فقيل له في ذلك ، فقال : أخاف إن تركت الفاتحة أنّ يعاتبني الشافعيّ وإن قرأتها أنّ يعاتبني أبو حنيفة فاخترت عدم الإمامة طلبا للخلاص من هذا الخلاف. فإن قيل : لم أضيفت الصلاة إليهم؟ أجيب : بأنّ الصلاة وصلة بين الله وبين عباده والمصلي هو المنتفع بها وحده ، وهي عدّته وذخيرته فهي صلاته ، وأما الله تعالى فهو غنيّ متعال عن الحاجة إليها والانتفاع بها.
الصفة الثالثة المذكورة في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ) أي : بضمائرهم التي تتبعها ظواهرهم
__________________
(١) أخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ٣٩٣ ، وابن حجر في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ١ / ١٩٤.
(٢) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٢ / ٢٨٩ ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٣ / ٢٣ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٥٨٩١.
(٣) أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٣ / ١١٦.
(٤) أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٣ / ١١٢ ، والعراقي في المغني عن حمل الأسفار ١ / ١٥٩.
(٥) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ١١ / ٥٤ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٢ / ٢٥٨.