يصير في الدنيا كالميتة.
ثم إن الله تعالى أخبر أن هؤلاء الكفار الذين ينكرون البعث يسألون الرجعة إلى الدنيا عند معاينة الموت بقوله تعالى : (حَتَّى) وهي هنا كما قال الجلال المحلي ابتدائية أو متعلقة بيصفون أو بكاذبون كما قال الزمخشري ، وقدّم المفعول ليذهب الوهم في فاعله كل مذهب فقال : (إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) فكشف له الغطاء وظهر له الحق ولاحت له بوارق العذاب ، ولم يبق في شيء من ذلك ارتياب (قالَ) متحسرا على ما فرّط فيه من الإيمان والطاعة مخاطبا لملائكة العذاب على عادة جهله ووقوفه مع المحسوس من دأب البهائم (رَبِّ ارْجِعُونِ) أي : ردوني إلى الدنيا دار العمل ، ويجوز أن يكون الجمع له تعالى وللملائكة أو للتعظيم على عادة مخاطبات الأكابر سيما الملوك كقوله (١) :
ألا فارحموني يا إله محمد
وقوله (٢) :
فإن شئت حرمت النساء سواكم
أو القصد تكرير الفعل للتأكيد ؛ لأنه في معنى أرجعني كما قيل في قفا واطرقا فإنهما بمعنى قف قف واطرق اطرق.
ولما كان في تلك الحالة مع وصوله إلى الغرغرة ليس على القطع من اليأس قال : (لَعَلِّي أَعْمَلُ) أي : لأن كون على رجاء من أن اعمل (صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) أي : ضيعت من الإيمان بالله وتوابعه فيدخل في الأعمال الأعمال البدنية والمالية وعنه صلىاللهعليهوسلم «إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا : نرجعك إلى الدنيا فيقول إلى دار الهموم والأحزان بلى قدوما على الله ، وأما الكافر فيقول : رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت» (٣) قال قتادة : ما تمنى أن يرجع إلى أهله ولا عشيرته ولا ليجمع الدنيا ويقضي الشهوات ، ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله فرحم الله امرأ عمل فيما تمناه الكافر إذا رأى العذاب ، وقال ابن كثير : كان العلاء بن زياد يقول : لينزل أحدكم نفسه أنه قد حضره الموت واستقال ربه ، فأقاله فليعمل بطاعة الله تعالى ، ولما كان القضاء قد قطع بأنه لا يرجع ولو رجع لم يعمل بطاعة الله عزوجل ، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ، وإنهم لكاذبون ، قال الله تعالى له ردعا وردا لكلامه : (كَلَّا) أي : لا يكون شيء من ذلك وكأنه قيل : فما حكم ما قال؟ فقيل : (إِنَّها كَلِمَةٌ) والمراد بالكلمة في اللغة الطائفة من الكلام المنتظم بعضها مع بعض رب ارجعون إلى آخره (هُوَ قائِلُها) وقد عرف منه الخداع والكذب فهي كما عهد منه لا حقيقة لها ، فلا يجاب إليها ولا تسمع منه وهو لا محالة لا يخليها ، ولا يسكت عنها لاستيلاء الحسرة عليه ، وتسلط الندم (وَمِنْ وَرائِهِمْ) أي : أمامهم والضمير للجماعة (بَرْزَخٌ) أي : حاجز حائل بينهم وبين الرجعة ، واختلف في معناه فقال مجاهد : حجاب بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا ، وقال قتادة : بقية
__________________
(١) الشطر لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.
(٢) عجزه :
وإن شئت لم أطعم نقاحا ولا بردا
والبيت من الطويل ، وهو للعرجي في ديوانه ص ١٠٩ ، ولسان العرب (نقخ) ، (برد).
(٣) أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ١٠ / ٤٠٤.